من عدن إلى أبوظبي... رحلة الكاثوليكيّة في الإمارات العربيّة
كنيسة القدّيس يوسف القديمة عند كورنيش أبو ظبي يوم عيد الشعانين 12 أبريل/نيسان 1981 | مصدر الصورة: مايكل دوربين/ صفحة كنيسة القدّيس يوسف-أبو ظبي في فيسبوك
أعلن البابا فرنسيس قبل أيام توجّهه إلى دولة الإمارات العربيّة المتحدة بين الأول والثالث من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، لحضور مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بدورته الـ28. وعلى الرغم من الدوافع البيئية للزيارة (وهي الثانية من نوعها للبلاد)، تعكس رحلته بشكل أو بآخر اهتمام الكرسي الرسولي بهذه الأرض.
انتقلت الإمارات من مجرد بقعة جغرافية نفطية إلى حضارة مسالمة ترفض التعصب، وتدعو إلى انفتاح ثقافي وديني تجسّدت إحدى نتائجه في حضور الكنيسة الكاثوليكية القوي في البلاد.
تُمثل الفاتيكان في شبه الجزيرة العربية ابتداءً من العام 2011 نيابتان رسوليتان، واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب، رغم أنّ عمر الحضور الكاثوليكي أقدم من ذلك بكثير. وإن كان الثقل الكاثوليكي شمالًا تمركز أولًا في الكويت ثم انتقل إلى البحرين، فالأمر نفسه تكرّر في جنوب المنطقة العربية. كيف؟
تأسّست النيابة الأولى للكنيسة اللاتينية عام 1888 كنيابة رسولية لعدن اليمنية من قبل البابا ليو الثالث، وبعد عام تغير اسمها إلى "النيابة الرسولية في الجزيرة العربية" لتشمل الجغرافيا العربية كلّها. ومنذ العام 1916، كُلِّف الرهبان الكبوشيون من مقاطعة توسكانا الإيطالية بخدمة النيابة. وهذه القاعدة مطبقة إلى اليوم، فأسقفا النيابة الجنوبية السابق بول هيندر والحالي باولو مارتينيلي ينتميان إلى الأخوة الأصاغر الكبوشيين.
لكن مع الاضطرابات السياسية في عدن نُقل مقرّ الأسقف إلى إمارة أبوظبي الإماراتية عام 1974. فقد كانت الخيار الأمثل للفاتيكان؛ أولًا بسبب اكتشاف النفط في المنطقة وما نجَم عنه من تدفق شعوب كثيرة إليها بينهم عدد كبير من المسيحيين. ففي العام 1960، احتُفل بأول قداس بحسب الليتورجيا اللاتينية في منزل أحد العاملين في المدينة ترأّسه كاهن زائر من البحرين.
أما السبب الثاني فتمثل بسياسة حكّام الإمارة السمحة، وذلك منذ عهد شيخ المدينة شخبوط بن سلطان آل نهيان الذي وافق على توقيع سند ملكية يُعطي بموجبه الكنيسة أرضًا عند الكورنيش. لتكُرَّس أول كنيسة لاتينية هناك على اسم القديس يوسف في العام 1965، أي قبل توحّد الجزر الإماراتية ونيلها استقلالها بسنوات قليلة.
في بداية الثمانينيات، وعلى النقيض من صعود التيارات الدينية المتشددة وانتشارها في عدد من بلدان العالم العربي، بادر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بالتبرع للنيابة الرسولية بأرض جديدة في المشرف، وهي منطقة أوسع وأفضل من سابقتها. وبعد سنتَين من الإعمار رأت الكنيسة النور عام 1983.
بالنسبة إلى دبي، بُنيت أول كنيسة فيها عام 1967 على اسم العذراء مريم، لكنها هُدِّمت لبناء كنيسة أكبر حجمًا في الموقع نفسه أواخر الثمانينيات. ومع مطلع القرن الحالي بُنيت كنيسة أخرى في منطقة جبل علي.
يُذكر أنّ الكرسي الرسولي أقام مع الإمارات علاقات دبلوماسية كاملة منذ العام 2007. وهو ما ترافق مع حملة بناء كنائس أخرى في أبوظبي (آخرها كنيسة القديس فرنسيس ضمن مجمع بيت العائلة الإبراهيمية هذا العام)، وفي كلٍّ من إمارة رأس الخيمة والشارقة والفجيرة.
كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي في جزيرة السعديّات في أبو ظبي هي الكنيسة الكاثوليكيّة الأحدث في الخليج العربي، وتقع ضمن مجمّع للأماكن المقدّسة يُدعى بيت العائلة الإبراهيميّة.
عملًا بمرسوم بابوي صادر في أغسطس/آب الماضي، تفتتح اليوم الكنيسة اللاتينية في شبه الجزيرة العربية يوبيلًا استثنائيًّا لاستشهاد القديس حارث بن كعب ورفاقه.
بعدما مضى على وجودها في الخليج العربي أكثر من 70 عامًا، كانت الكنيسة الكاثوليكيّة بحاجة إلى أرض واسعة تكون مركزًا حقيقيًّا لها في هذه المنطقة. فتوجّهت أنظار النائب الرسولي لشمال شبه الجزيرة العربيّة المطران كاميلو بالين بدايةً إلى الكويت (مقرّ النيابة حينها) إلّا أن مجرّد الحديث عن تخصيص أرض في الكويت أحدث موجة كبيرة من الاعتراض في مجلس الأمّة الكويتي، ما دفع البلديّة إلى إغلاق الملفّ.