انتهت الأسبوع الماضي أعمال الدورة الأولى من الجمعية العامة الـ16 لسينودس الأساقفة في الفاتيكان، «من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة». ومن بين المقترحات المقدّمة من المشاركين تمتين العلاقة بين رجال الدين الشرقيين في بلاد الاغتراب ونظرائهم اللاتين. وذلك من أجل تعزيز المعرفة المتبادلة والاعتراف بتقاليد بعضهم بعضًا.
وللوقوف على هذا الموضوع تحدثت «آسي مينا» إلى كلٍّ من المطران ميلاد الجاويش، راعي أبرشية كندا للروم الملكيين الكاثوليك، والمطران يوحنا حبيب شامية، راعي أبرشية الأرجنتين المارونية.
ملجأ المهاجرين إلى كندا
أوضح الجاويش أنّ هناك نوعَين من المسيحيين المشرقيين في كندا. «النوع الأول يضمّ مسيحيين جاؤوا منذ القدم وأحفادهم يشكّلون اليوم الجيل الرابع. هؤلاء بغالبيتهم أصولهم مجرد ذكرى لهم. أما النوع الثاني، فيتمثل في الهجرات الحديثة بموجاتها الأربع؛ ثلاث من لبنان (في خلال الحرب الأهلية بعد العام 1975، وبعد نهاية الحرب الأهلية عام 1990، والهجرة الحالية بسبب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت عام 2020)، وواحدة من سوريا بدأت منذ العام 2012».
وتابع الجاويش: «من يأتي إلى هنا تكون أعوامه الأولى جهدًا وعملًا وتأقلمًا في المجتمع الكندي. فتصير الكنيسة له ملجأ يبقى بواسطتها محافظًا على تراثه. ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة، لا يقلّ عدد أبناء كنيستنا عن 30.000 مؤمن، ورعية مونتريال وحدها يفوق عدد المؤمنين فيها كثيرًا من أبرشيات الشرق».
علاقة ممتازة بالكنيسة اللاتينيّة
عن العلاقة بالكنيسة اللاتينية، أكد الجاويش أنها «ممتازة ودورها إيجابي جدًّا. فهي منفتحة على مسيحيي الشرق. وتقدّر الكنيسة اللاتينية المشرقيين وتحترم طقوسهم وتحب وجودهم، إذ تعدّهم المسيحيين الآتين من وطن يسوع».
وزاد: «تعتبر الكنيسة اللاتينية أنّ لها دورًا في الحفاظ على الإيمان المسيحي في البلاد الغربية التي أصبحت في غالبيتها علمانية. إذًا بيننا كل محبة وتواصل وتعاون، والزيارات والمناسبات المشتركة لا تنقطع».
مشرقيّون في الكنائس اللاتينيّة
أضاف الجاويش: «من الواصلين الجدد قلّة تذهب إلى الكنيسة اللاتينية. وإن ذهبت، فالسبب يكمن بعدم وجود كنيسة شرقية في مدينة المؤمن أو قريبة من مسكنه، لأنّ مساحة كندا الجغرافية واسعة، أو بسبب اعتقاد بعض الأهالي أنّ ذهابهم إلى الكنيسة الكندية يُسرّع من تأقلم أطفالهم في المجتمع، فيستطيعون بذلك فهم اللغة أكثر».
وختم الجاويش حديثه إلى «آسي مينا» بالإشارة إلى التحديات الكبيرة والعمل الدؤوب الذي تضطلع به الكنيسة الملكية مع الوافدين إليها. وأشار إلى أنّ بعض المهاجرين يرغب أيضًا باستمرارية التواصل مع كنيسته بواسطة التطوع في مختلف النشاطات فيها أو حضور قداديس الأحد أو على الأقل في الأعياد. ويسعى هؤلاء من خلال ذلك إلى عدم قطع صلتهم وصلة أولادهم بتراثهم الشرقي. في المقابل، بعض المهاجرين لا يسعى إلى التواصل مع كنيسته الأمّ، فيدخل في نظام البلاد ويبتعد عن تراثه المشرقي.
المسيحيّون الشرقيّون في الأرجنتين
من جهته، أوضح شامية عبر «آسي مينا» أنّ الهجرات من الشرق الأوسط إلى الأرجنتين «قديمة والجيل الحالي هو الرابع أو الخامس. وليس من هؤلاء المهاجرين من يتكلم العربية، باستثناء بعض كبار السنّ. لذا تقام خدمة القداس الإلهي بالإسبانية».
وأكد عدم تخلّي الكنيسة المارونية في البلاد تمامًا «عن لغة طقسنا السريانية والمحببة لدى مؤمنينا كونها لغة المسيح. فعلى سبيل المثال، طلب أحدهم مني كتابة الأبانا والسلام له بالسريانية، ليتعلمهما وهو في السبعينيات من العمر، وتولّى بدوره تعليمهما لحفيدته. وعندما أعطيته سرّ مسحة المرضى قبيل وفاته طلب أن تكون صلاتي بالسريانية».
تعاون بين الموارنة واللاتين
عن علاقة الكنيسة المارونية باللاتينية، بيّن شامية أنّ «العلاقة جيدة، وأنا أشكرهم دائمًا لأنهم حافظوا على إيمان المهاجرين. فنحن، ككنيسة مارونية، تأخرنا بإنشاء أبرشية الأرجنتين حتى العام 1990. وللأسف، هناك اليوم كثيرون من المسيحيين الشرقيين لا يعرفون أنفسهم موارنة أو أرمن أو سريان».
وأردف: «نحن على تعاون دائم مع اللاتين. فالأسبوع المقبل نشارك في سينودس أساقفة الأرجنتين الكاثوليك، الذي يضمّ 4 كنائس شرقية، الموارنة والأرمن والملكيين والكنيسة الأوكرانية. واجتماعاتنا مع الكنيسة اللاتينية مستمرة، وهي مهمة من أجل مواجهة التحديات في البلاد معًا، ولمزيد من التعارف بيننا».
إكليل مارونيّ واحد في خلال عقد من الزمن
أكمل شامية شارحًا: «منذ نحو عشرة أعوام حتى الآن، أقمت إكليلًا مارونيًّا واحدًا فقط. وقد سألت أحدهم عن سبب عقده الإكليل عند اللاتين، فأجاب أنه يخشى اعتقاد الضيوف المدعوين أنّ الكنيسة المارونية "بدعة" بسبب طبيعة طقسها ولغتها المختلفة. وللأسف، ندرة مَنْحِنا سر الزواج عززها عددنا القليل في البلاد أيضًا. ولا ننسى أنّ كثيرين من الناس حاليًّا قد عزفوا عن الزواج أو اختاروا الزواج المدني أو المساكنة».
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
حزن بسبب هجرة الشباب
أكد شامية أنّ «أخذ المؤمن الماروني سرّ المعمودية من اللاتين لا يجعله لاتينيًّا، إلا إذا اختار هو تغيير طائفته. فالمجمع الفاتيكاني الثاني أكد أنّ المسيحي لا ينبغي فحسب أن يحافظ على إيمانه وإنما أيضًا على تقليده الكنسي وطقسه الليتورجي أينما حلّ في العالم، ورسالتنا تكمن هنا».
وفي الختام، أعرب شامية لـ«آسي مينا» عن حزنه لهجرة الشباب من الشرق. فقد قالت له إحدى السيدات بعد انفجار مرفأ بيروت: «كنا نحزن عندما يسافر أولادنا. اليوم أصبحنا نحزن إن بقوا في لبنان».
انتهت أعمال الدورة الأولى من الجمعية العامة الـ16 لسينودس الأساقفة بعنوان: «من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة»، الذي عُقد في الفاتيكان من 4 إلى 29 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وقد صدر عن الدورة تقرير تلخيصي، يتوقّف الجزء الأول منه عند «وجه الكنيسة السينودسية» وفيه قسم مخصّص للتقاليد الشرقية والغربية في هذا المجال.