أيمكن الحديث، برأيكم، عن اضطهاد يطال المسيحيين من تلك الجماعات؟ بمعنى آخر، أتخشون أن تتحول هذه الاعتداءات، على سبيل المثال، إلى وضع أسوأ للمسيحيين؟ إلى اضطهاد ممنهج على سبيل المثال؟
كلا، كلا، لا يمكن استخدام كلمة اضطهاد. إنّني أربط كلمة اضطهاد بما حصل في سوريا أو العراق مع تنظيم داعش أو ما يحصل في باكستان أو نيجيريا. فذلك اضطهاد حقيقي. إنّنا نعيش مشكلاتٍ حقيقية. هي مشكلات تعايُش يشهد بعض الأوقات الصعبة والحادة مثل هذه. لكنّ الاضطهاد لا. فهنا، يستطيع المسيحيون أنّ يعبّروا عن آرائهم، يمكننا ممارسة معتقداتنا بحرية، إذًا نحن لسنا مُضْطَهَدين. أعتقد أنّه يحب العمل كثيرًا لتفادي انتشار هذا الفكر.
ما التحديات الكبرى الأخرى التي تعيشها الجماعة المسيحية في الأراضي المقدسة؟ فعلى سبيل المثال، لا يمكن لمسيحي فلسطيني أن يسافر أو يعمل أو ينفذ أعمالًا تجارية، فماذا يمكن أن تفعل الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية لتسهيل حياة المسيحيين؟
المشكلة سياسية أولًا. فالمسيحيون ليسوا شعبًا على حدة. يعيش المسيحيون الفلسطينيون الظروف عينها التي يعيشها جميع الفلسطينيين الآخرين. والقيود الموجودة على الفلسطينيين، ليست على الفلسطينيين المسيحيين فحسب، بل على جميع الفلسطينيين. ومن أجل حلّ مشكلة المسيحيين، يجب حلّ المشكلة السياسية، من أجل المسيحيين الموجودين على الأراضي (الفلسطينية). ولا أرى أنّ تحقيق ذلك سهلٌ والحلّ ليس في الأفق. إذًا، حالة الاحتلال المستمرة مع جميع تبعاتها، أعتقد أنّها ستؤثر بعد طويلًا على الجماعة المسيحية التي تملك قدرة كبيرة على الصمود.
أعداد سكان الأراضي المقدسة من المسيحيين تتراجع. فهل نجد، بحسب رأيكم، علامات رجاء على تغيّر الأوضاع؟ وما الطريق الأكثر فعالية لتشجيع الجماعة المسيحية على البقاء في الأراضي المقدسة؟ وعلى الصمود كما تحدثتم؟
مسيحيو الأراضي المقدسة، هم في إسرائيل وفلسطين، هناك الجليل في الشمال وهناك السلطة الفلسطينية. هم يعيشون بظروف مختلفة جدًّا. ويمكن القول إنّ عدد المسيحيين مستقرّ إلى حد ما. فهو يتناقص قليلًا في منطقة بيت لحم، بفلسطين، لكن ليس كثيرًا. فما العمل إذًا؟
أوّلًا الوحدة، وحدة المسيحيين. ففي وضع صعب للغاية، وفي صعوبات ستبقى موجودة، لأنّنا نعلم أنّها لن تنتهي قريبًا، من المهم جدًّا أن تشعر الجماعة المسيحية بأكملها، ليس فقط الكاثوليكية، بحس بالانتماء المتبادل، بالروح الجماعية، حتى نتمكّن من دعم بعضنا بعضًا. هذه هي النقطة الأولى.
ومن ثم العمل على الرجاء وهو وليد الإيمان. فمن المهم جدًّا العمل الدؤوب على الانتماء المسيحي الخاص بكل شخص، على الإيمان الذي يشكل دورًا مهمًّا جدًّا. ومن الواضح أنّ المسيحي الحسن هو أيضًا مواطن حسن. لذلك يجب أن يشارك في الحياة المدنية والاجتماعية لشعبه. من هنا، أعتقد أنّ العمل مهم، أولاً على الوحدة، وعلى الانتماء المشترك. فمعًا فقط يمكننا مقاومة هذه الحالة الصعبة.
كتبت «عون الكنيسة المتألمة» أنّ بطريركية القدس للاتين تسعى إلى إصلاح المناهج التعليمية من أجل الحؤول دون نمو التطرف بين المسلمين. أيمكنكم أن تشرحوا لنا هذا المشروع؟ ماذا يُدرَّس حاليًّا في المدارس التابعة للكنيسة؟ وكيف ستتغيّر الأمور مع الأجيال المقبلة؟
هناك نحو مئة مدرسة تابعة للكنيسة، لمختلف الرهبانيّات وما إلى ذلك. وتشمل مدارسنا قرابة 60,000 طالب وهذا عدد جيد. معظمهم مسلمون وليسوا مسيحيين. المسيحيون للأسف لا تصل نسبتهم سوى إلى 40%. فليس لدينا 60,000 طالب مسيحي للأسف. ولكن، أعتقد أنّ من المهم جدًّا أن يكون هناك جوّ من الانفتاح في مدارسنا حيث يوجد مسيحيون ومسلمون معًا، مثلما هي الحال في معظم مناطق الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان وغيره من بلدان الشرق الأوسط.
تتبع هذه المدارس مناهج حكومية معينة، لكنها تسعى، مع ذلك، من خلال الأنشطة المدرسية الإضافية إلى تعريف الطلاب على أنماط الحياة وكيفية العيش بأشكال مختلفة واحترام الآخر واحترام أنواع الفقر وروح الضيافة والعمل التطوعي. إنّها أمور عملية جدًّا يفهمها الشباب بشكل جيد، وتساعدهم في عدم التركيز على جراحهم الخاصة فقط، بل أيضًا على جراح الآخرين كي يساهم هذا الأمر بفتح آفاقهم الشخصية.
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
مسيحيو البلدان العربية التي لا تملك اتفاقيات أو معاهدات تطبيع أو سلام مع إسرائيل، لا يستطيعون حاليًّا الحج إلى الأراضي المقدسة بسبب الصراع العربي الإسرائيلي. هل سيتمكن هؤلاء يومًا من زيارة الأماكن المقدسة حيث عاش يسوع ليمتلئوا برجاء أكبر يعطي معنى جديدًا لحياتهم في الشرق الأوسط؟
الحج إلى الأراضي المقدسة يغيّر الحياة. إنني أختبر ذلك وألتقي حجّاجًا كثيرين وأختبر كيف تتحول رؤية الأماكن المقدسة إلى لقاء مع يسوع الذي نحتاج إليه جميعنا فتتغيّر الحياة. من المحزن أنّ بإمكان الحجاج القدوم من جميع أنحاء العالم، لكنّ جيراننا لا يستطيعون الحج إلى الأراضي المقدسة. إذًا، أول ما يمكن فعله هو الصلاة كي ينتهي هذا الوضع في أقرب وقت ممكن. ويمكن البحث (عن حلول)، فقد جرى التوصل لاتفاقيات الآن، لكن حتى في الماضي، عندما لم تكن هناك اتفاقيات، كان بإمكان المسلمين الذهاب إلى مكة المكرمة.
ربما يمكن التوصل إلى اتفاقيات خاصة كي يزور المسيحيون الأراضي المقدسة، لكنّ الأمر معقد بعض الشيء. ويمكن تنظيم رحلات حج افتراضية، تُستخدم فيها التكنولوجيا الحالية لزيارة الأماكن المقدسة ولقاء الجماعات التي تعيش فيها. يجب أن نعمل بجدّ أكبر على هذا الموضوع، عبر مساهمة الجاليات المغتربة. وبما أنّ لجميعنا جاليات مغتربة، يمكن لهذه الجاليات المساهمة في التوسّط من أجل ذلك والمساعدة عليه.
سمّاك البابا فرنسيس كاردينالًا. كيف تلقّيت خبر تسميتك؟ وما كان تأثير هذا الخبر على مسيحيي الأراضي المقدسة؟
شكّلت التسمية بالنسبة إلي مفاجأة كبرى، فلم أكن على معرفة سابقة بها. أنا ممتنّ للبابا فرنسيس لأنّه لم يفكر بي فقط بل بمدينة القدس المقدسة. لذلك شكلت التسمية مفاجأة كبيرة بالنسبة إليّ وهي تمثّل لي التزامًا ومسؤولية جديدَين. ويجب أن أقول إنّ هذا الخبر حظي في القدس بحماسة كبيرة، ليس من الكاثوليك فحسب، بل من جميع المسيحيين وحتى من اليهود والمسلمين. استُقبل بتعبير عن الصداقة والمودة والتهنئة من الجميع من دون تمييز.
حضرتك فرنسيسكاني وكنت حارس الأراضي المقدسة قبل أن تصبح بطريركًا. منذ بداية حبرية البابا فرنسيس، ازداد عدد الأساقفة والكرادلة المنتمين إلى الرهبانيات الفرنسيسية، كيف يمكن برأيك للروحانية الفرنسيسية وللأساقفة والكرادلة الفرنسيسيين أن يساعدوا الكنيسة المعاصرة في التغلّب على تحدياتها مثل انخفاض عدد المؤمنين والفضائح الجنسية والمالية وغيرها؟