عرفت سوريا روحانيّة «عمل مريم-الفوكولاري» منذ سبعينيّات القرن الماضي بعد قدوم أعضاء فيه من لبنان. وبدعم الإكليروس المحلّي، انتشرت لقاءات «كلمة الحياة» وتشكّلت جماعات في مدن وقرى عدة بهدف تجسيد حياة الإنجيل.
افتُتِح البيت الأول في البلاد لمكرّسي الفوكولاري عام 1990 وللمكرّسات عام 1994، وكلاهما في حلب. ومثلما نشأ «عمل مريم» في خضمّ الحرب العالمية الثانية، يواصل اليوم خدمته ضحايا الحرب في سوريا كما أوضح مسؤول الفوكولاري الأسبق روبير شُلحُد في حديث خاص إلى «آسي مينا».
واحة رجاء
أكد شُلحُد أنّ سوريا تتّسم بحرية دينية لا تمنع أي نشاط. و«الناس يرتادون بيوتنا كواحة رجاء تشجِّعهم على مواصلة مسيرتهم». وفصّل شُلحُد: «لدينا بيتان للمكرَّسات في حلب ودمشق وبيتان للمكرَّسين في حمص وحلب. تضمّ هذه البيوت سبعة مكرَّسين وثماني مكرَّسات من سوريا ودول أخرى. وما كانت نشاطاتنا المعتادة تتوقّف سوى عند اشتداد المعارك».
نداء عالمي للإغاثة
بيّن شُلحُد أنّ روحانيتهم المؤسَّسة على عيش الإنجيل والعمل الخيري، دعتهم إلى إطلاق نداءٍ عالمي لإغاثة المتضررين من الحرب في سوريا وتوفير الأساسيات كالطعام والتدفئة والأدوية. وعادوا وأطلقوا نداءً آخر لإغاثة ضحايا الزلزال. وأضاف: «من دون أي تمييز طائفي أو ديني، نقدّم مساعدات دورية للعائلات الأشد فقرًا. وتخدم مشاريعنا التنموية الجميع».
واستدرك: «أولويتنا هي تأسيس علاقة حقيقية مع المستفيدين شعارها الأخوّة الشاملة. ونعدّ أنفسنا المستفيدين الحقيقيين لأنّ العطاء أكثر غبطة من الأخذ». وفسّر أنّ مشاريعهم تدعم التعليم المتردي، وتؤازر مرضى السرطان بجزء يسير من كلفة العلاج الباهظة، فضلًا عن مشروع للعلاج الفيزيائي للأشخاص المصابين والمعوّقين من الحرب.
وتابع شُلحُد أنّهم يدعمون السيدات أيضًا «ليؤسِّسنَ مشاريعهنّ الصغيرة. فننظِّم دورات تعليم التفصيل والخياطة والحياكة والحلويات والشموع فضلًا عن تعليم اللغة الإنكليزية والكومبيوتر. وهناك أيضًا دورات السباكة للشباب».
المعاناة الأشد
رأى شُلحُد أنّ معاناة المسنين هي الأشد. فغالبيتهم وحيدون بعد هجرة الأبناء. لذا، «ننظم دورات تأهيل للعاملين في رعايتهم، ويزورهم فريق من المتطوعين دوريًّا ويدعمهم ماديًّا ومعنويًّا ونفسيًّا».
وأبرز شُلحُد أهمية مشروع «ريستارت» لإقراض أصحاب المشاريع الصغيرة ومساعدتهم على استعادة نشاطهم المهني. وأكد أنّ «الزلزال (الذي ضرب سوريا في شهر فبراير/شباط الماضي) كان مدمِّرًا أيضًا لآمال أناس، لم يستفيقوا بعد من تبعات الحرب والأزمة الاقتصادية، بغدٍ أفضل». ولم يخفِ أنّ قساوة معاناة السوريين أضعفت رجاءهم عمومًا، وليس المسيحيين فحسب، وزادها الزلزال بلّة. واستطرد: «يهاجر الشباب والعائلات الفتيّة بحثًا عن لقمة العيش وفرصة عمل وهربًا من استشراء الخوف والاكتئاب».
بذور مستقبل أجمل
شدد شُلحُد على أنّ دورنا كمسيحيين، مكرَّسين وعلمانيين، إنعاش الرجاء في النفوس. لذا، «نسمي مشاريعنا "بذور رجاء" وأملنا أن تثمر البذور قريبًا وأن يكون المستقبل أجمل». وخلص إلى أنّ الرؤية المستقبلية رغم كونها غير واضحة وربما مظلمة، «لكننا أبناء الرجاء ونسعى إلى إنعاشه في النفوس، وأملنا أن نعيش أعجوبة عدم غياب الحضور المسيحي في الشرق».
في خضمّ الحروب والنزاعات والاضطرابات، يغرق البعض في المأساة ويفقد إيمانه ورجاءه، ويولد البعض الآخر من رحم المعاناة إنسانًا جديدًا، ابنًا حقيقيًّا لله. هكذا كانت تجربة كيارا لوبيك في الحرب العالميّة الثانية إذ كانت مصدر إلهام لهذه الشابة الكاثوليكيّة ورفيقاتها اللواتي اخترنَ أن يكون الإنجيل، كلمة الحياة، سلاحهن لمحاربة المآسي التي خلّفتها الحرب، ولا سيّما بعدما أدركنَ أن كل شيء زائل وأن الله هو الوحيد الذي تعجز الحرب عن تدميره، فاخترنه مثالًا لحياتهن.