6. نشهد عندنا اليوم وبكل أسف فسادًا على كلّ صعيد: فسادًا سياسيًّا، فسادًا أخلاقيًّا، فسادًا إداريًّا، فسادًا قضائيًّا، فسادًا تجاريًّا. فخسرت العقول الحقيقة واتّجهت نحو الكذب؛ وخسرت الإرادات الطاقة على الخير ومالت إلى الشرّ والظلم والاستبداد والاستكبار؛ وخسر الإنسان إنسانيّته وبهاء صورة الله فيه فأصبح شرّيرًا.
هذا هو مكمن انهيار العمل السياسيّ عندنا في لبنان؛ فبدلًا من أن يبني، نراه يهدم، بدءًا من عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ أحد عشر شهرًا، وصولًا إلى تعطيل المجلس النيابيّ الذي أصبح هيئة ناخبة وفاقدة حقّ التشريع، وإلى جعل الحكومة محصورة في تصريف الأعمال وبالتالي فاقدة حقّ التعيين، وصولًا إلى إسقاط المؤسّسات الدستوريّة والإداريّة الواحدة تلو الأخرى. هذا بالإضافة إلى تفشّي روح الحقد والبغض والضغينة والكبرياء والاستبداد وروح الهدم وأخذ البلاد رهينة بشعبها وأرضها ومؤسّساتها لصالح شخص أو فئة أو مخطط. وفوق كلّ ذلك بل والأخطر أنهم يضعون الله وكلامه ورسومه ووصاياه جانبًا، وكأنّه غير موجود، على الرغم من المظاهر الدينيّة الزائفة والكاذبة.
7. هل من أحد يشرح لنا لماذا لا يلتئم المجلس النيابي في جلسات متتالية بدوراتها لانتخاب رئيس للجمهورية بحسب المادة 49 من الدستور، ويوجد مرشحان أساسيان كفؤان كما ظهر في جلسة 14 حزيران الماضي؟ فإمّا ينجح واحد منهما وإمّا لا أحد، ولكن بعد ثلاث دورات متتالية على الأكثر، يصار إلى الاتفاق على ثالث بحوار مسؤول.
وهل من يقول لنا لماذا أُبطِل النصاب في تلك الجلسة التي كادت أن تكون حاسمة؟
وهل من يشرح لنا الغاية من ترحيل هذا الاستحقاق الأساسي لقيام مؤسسات الدولة إلى شهر سبتمبر/أيلول؟ أهي عطلة شهر أغسطس/آب للسادة النواب، للاستجمام بحرًا وجبلًا وسفرًا، فيما الشعب يموت جوعًا، والدولة في حالة الفوضى الدائرة، والنازحون السوريون يحتلون البلاد بدعم من الأسرة الدولية، ونحن مغفّلون، وهم متناسون أرضهم ووطنهم وتاريخهم وثقافتهم.
8. فلو أنّ المسؤولين في الدولة يعتنون بجمع أموالها من فواتير الكهرباء والماء من الجميع، ولو أنهم يضبطون مداخيلها من الجمارك في المطار والمرافئ والمؤسسات الإدارية وسائر الدوائر التابعة لها، ولو ضبطت الخوّات لدى موظفيها، ولو أوقفت التهريب خروجًا ودخولًا عبر مداخلها الشرعية وغير الشرعية، ولو وضعت حدًّا للسرقات المالية، لوفّرت المال اللازم والكافي لدفع أجور موظّفي القطاع العام ورواتبهم، من دون المسّ بالاحتياط وبأموال المودعين في البنك المركزي!
9. ونقول لهم: لا يمكن الاستمرار في ضرب القطاعات الاقتصادية وخصوصًا القطاع السياحي الذي شهد هذا الصيف انتعاشًا بعودة المغتربين والسياح بعد الأزمات المتنوعة التي عشناها حيث تُطلَق الإشاعات الهدّامة حول ارتفاع الأسعار من دون ذكر وجود مروحة من الأسعار والخدمات. أتعلمون أنّ القطاع السياحي شكّل خشبة الخلاص للاقتصاد المنهار، فبلغ عبر السنوات نحو 25 في المئة من الدخل القومي؟
لقد فُرِضت رسوم أشغال على الأملاك العامة والمنتجعات البحرية من قبل الدولة بالدولار "الفريش" بينما تغاضت عن القيام بأي تسوية لشاغلي الأملاك النهرية ومشاعات الدولة وأملاكها الخاصة، ما يحرمها من تأمين مداخيل طائلة للخزينة واستقرار الاستثمار على أنواعه. فهل ما يجوز من ناحية لا يجوز من ناحية أخرى؟
إنّ الحفاظ على القطاع السياحي أسوة بباقي القطاعات هو في أساس بناء الوطن والحفاظ على أبنائه.
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،
10. في هذه الظروف الصعبة نلتجئ إلى العناية الإلهية، التي بيدها غير المنظورة تُحافظ على لبنان، كأرض مقدّسة. ولنلتَمس من الله أن يمسّ ضمائر المسؤولين عمّا آلت إليه بلادنا من انحطاط ودمار، لكي يعودوا إلى الله، ويصغوا إلى كلامه، ويعملوا بموجب رسومه ووصاياه. له المجد والشكر، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.