أمام كنيسة الروح القدس الكلدانيّة بالموصل في العراق، المعروفة بـ«كنيسة السفينة» بسبب شكلها الخارجي الدالّ على «سفينة الخلاص» التي يقودها المسيح (أي جماعة المؤمنين)، وقعت أحداث جسيمة في خلال فترة نشاط الجماعات الإرهابيّة التي سبقت ظهور تنظيم «داعش».
على أعتابها، استشهد الأب رغيد كنّي في 3 يونيو/حزيران 2007. ومن أمامها، اختُطِفَ المطران الشهيد بولس فرج رحّو في 29 فبراير/شباط 2008. وهي كانت قبل تلك الأحداث إحدى أكبر الكنائس الكاثوليكيّة وأهمّها في المدينة.
إنشاء كنيسة الروح القدس
في أواخر تسعينيات القرن الماضي، قرّرت أبرشيّة الموصل الكلدانيّة بناء كنيسة جديدة في حيّ الإخاء في مركز محافظة نينوى، شمال العراق، لتستوعب أعداد المسيحيين المتزايدة فيه. واختارت المهندس نشوان أبلحد قريو ليضع تصميمًا يحاكي روحانيّة كنيسة المشرق، ويعبّر عن مواهب الروح القدس الذي كُرِّسَت الكنيسة على اسمه، ويؤكد عمق التاريخ المسيحي في بلاد ما بين النهرين.
رموز البناء
في حديث خاص إلى «آسي مينا»، شرح قريو المعاني الروحيّة للتصميم، قائلًا إنّ الكنيسة على شكل سفينة، مقدّمتها موجّهة نحو الشرق لتشير إلى شروق نور الخلاص. يعلوها مجسّم لحمامة في منقارها غصن زيتون: رمز السلام والروح القدس.
وأوضح قريو أنّ مدخل الكنيسة هو من الجهة الخلفيّة إذ كان المؤمنون يدخلون «سفينة الخلاص» من الغرب، فيتّجهون نحو نور الشرق. وأضاف أنّ المذبح بحسب تقليد بناء الكنائس الشرقيّة يكون لجهة الشرق عادةً.
وبيّن قريو أنّ ارتفاعها عن سطح الأرض الطبيعيّة كان يوجّه أفكار المؤمنين صوب السماء التي تأخذهم إليها هذه السفينة عندما يتجرّدون عمّا هو أرضي وزائل. وتعلو الكنيسة قبّة دائريّة الشكل تشير إلى كمال الله وتستند إلى قاعدة في داخلها اثنا عشر ضلعًا ترمز إلى تلاميذ المسيح. وفوق القبّة، كان هناك تمثال حمامة الروح القدس الحاضر في الكنيسة عند تقديس القربان.
وعن الشكل الثلاثي للبرج الذي يعلو شرق القبّة، فوق موضع المذبح وكأنّه شراع سفينة، فسّر قريو أنّه يدلّ على تكامل الله الواحد في الثالوث. فهو يرتفع 33 مترًا بعدد سنوات عمر المسيح على الأرض. وفوق البرج، وعلى قاعدة مثلّثة، كان يرتفع مجسّم ثالث لحمامة الروح القدس.
في انتظار إعادة الإعمار
تعرّضت الكنيسة في خلال حقبة احتلال «داعش» للمدينة إلى النهب والتخريب الشاملَيْن. وهي لا تزال مهجورة ومغلقة حتى اليوم تنتظر عودة أبنائها لإعادة إعمارها ماديًّا وروحيًّا. لكن لم يكن ذلك التخريب الوحيد الذي تعرّضت له في العقود الماضية. فقد أفاد تقرير صادر عن «بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق» (يونامي) أنّ الكنيسة تعرّضت في شهرَي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأوّل 2006 لإطلاق صواريخ عليها بشكل متكرّر، وتفجير عبوات ناسفة قرب مدخلها، وإطلاق النار عليها، وكتابة رسائل التهديد على أبوابها مثل: «إذا لم يعتذر البابا، سننسف الكنيسة ونقتل المزيد من المسيحيين ونسرق أملاكهم وأموالهم».
في العام 2014، فرّ مسيحيّو بلدة كرمليس العراقيّة، الواقعة في سهل نينوى، من احتلال تنظيم داعش الإرهابي على رجاء العودة إلى ديارهم. لكن خرابًا جسيمًا أصاب المنطقة بعد تحريرها في العام 2017، وبالأخصّ كنيستها، حيث عُثِرَ على تمثال العذراء الشهير مقطوع الرأس. في الشهر المريمي، سألت «آسي مينا» راعي أبرشيّة ألقوش الكلدانيّة المطران بولس ثابت، خوري رعيّة كرمليس في ذلك الوقت، عن تفاصيل الحادثة.
«حضور الكنيسة ليس بأبنيتها، بل بحضوركم الحيّ. أنتم باقون، إذًا الكنيسة باقية». بهذه العبارات، شجّع رئيس أساقفة الموصل للكلدان المطران بولس فرج رحّو المؤمنين المصغين إلى عظته في خلال قداس احتفل به على أنقاض كنيسة الطاهرة للكلدان بالموصل، بُعيد تفجيرها بأيدي المجموعات الإرهابيّة في العام 2004.
أطلق المطران رحّو نداءات محبّة متكرّرة في فترة عصيبة شهدت في خلالها الموصل، مركز محافظة نينوى شمالي العراق، سلسلة أحداث عنف دراماتيكيّة في الأعوام التي تلت 2003 إذ فُجِّرَت كنائس عدّة، فضلًا عن عمليّات تهديد وخطف وقتل طالت مسيحيين كثيرين بينهم كهنة. وقال: «نحن المسيحيين لسنا أعداءً لأحد، وحتى الذين يحسبوننا أعداء لهم، فهؤلاء يوصينا إنجيلنا وربّنا يسوع المسيح بأن نحبّهم، بقوله أحبّوا أعداءكم»، مكرّرًا الدعوة إلى الصلاة من أجل الذين «اعتبرونا أعداءً لهم وفجّروا كنائسنا»، ومشدّدًا على الصمود لأن «هذا بلدنا ونحن باقون هنا كما بقي أجدادنا بالرغم من كل الاضطهادات».
أعلن راعي إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة المطران بشار متّي وردة، في خلال ترؤسه القداس الاحتفالي بمناسبة الذكرى الـ١٦ لاستشهاد خدّام الربّ الأب رغيد كنّي ورفاقه الشمامسة بكاتدرائيّة مار يوسف في عنكاوا، بحضور لفيف من الكهنة والراهبات وحشد من المؤمنين، ولادة جماعة أصدقاء الأب رغيد ورفاقه الشمامسة، مشدّدًا على أهمّية دورها في تسليط الضوء على الشهداء المعاصرين من أبناء الكنيسة في العراق.