وتوقفوا بنوع خاصّ أوّلاً على تقرير مكتب رعويّة الشبيبة الذين يعملون بنشاط وحماسة وفرح متخطّين كل العقبات الاقتصاديّة والماديّة والاجتماعيّة لزرع الرجاء في قلوب إخوتهم الشباب ودعوتهم إلى الالتزام ببناء مجتمع جديد، وذلك عبر النشاطات والمبادرات التي ينظّمونها على مساحة الأراضي اللبنانيّة، ومن أهمّ هذه المبادرات: مشروع الأيّام الرسوليّة للشبيبة في المناطق البعيدة جغرافيًّا أو في الأطراف. ومشروع «سوق يا عيني عَ البَلَدِي» الذي يُقام في مناطق عدّة من لبنان بهدف السماح لصغار المزارعين بأن يعرضوا ويبيعوا منتوجاتهم مباشرة إلى المستهلك. ومشروع التنشئة مع شبيبة الأبرشيّات، ومشروع تنظيم لقاء الشبيبة في لبنان بالتزامن مع الأيّام العالميّة للشبيبة في البرتغال في آب المقبل. وأخيرًا تحضير الأيّام العالميّة للشبيبة المارونيّة.
إنّهم قلب الكنيسة النابض ومستقبلها الواعد.
وتوقف الآباء ثانيًا على تقرير مكتب رعويّة المرأة الذي يعمل منذ ثلاث سنوات على تحضير سينودس خاصّ بالمرأة. واطّلعوا على الوثيقة السينودسيّة بعنوان «دعوة المرأة ورسالتها في تدبير الله وحياة الكنيسة والمجتمع»، وتحتوي على مقدّمة وثلاثة فصول تعالج التحدّيات والثوابت والسياسات والتوجّهات التي تشكّل اقتراحات وتوصيات لتعزيز دور المرأة ومكانتها ورسالتها في الكنيسة وفي المجتمع. وناقشوها بإسهاب وأثنوا على الجهود المبذولة وعبّروا عن تقديرهم للعمل الجدّي والعلمي الذي قام به أعضاء المكتب والخبراء. وسيقدّمون ملاحظاتهم كي يعيد المكتب النظر في صياغة النصّ ويكمل مسيرته السينودسيّة.
ثانيًا: في الشأن الرعوي
أ-أوضاع الأبرشيّات في النطاق البطريركي
-استعرض الآباء أوضاع الأبرشيّات في لبنان وبلدان النطاق البطريركي. وتوقفوا عند الحاجات المتزايدة التي يواجهها أبناؤهم وبناتهم في ظل الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والمعيشيّة والأمنيّة المتدهورة، ولا سيّما في لبنان وسوريا، والتي أوصلتهم إلى حالة فقر وبطالة وعوز، وأجبرت الكثير من العائلات والشباب والنخبة في المجتمع على الهجرة القسريّة. وهي ظاهرة تشكّل انعكاسًا خطيرًا على هويّة لبنان ودوره ورسالته وعلى حضور المسيحيين في الشرق الأوسط.
كما توقفوا عند أوضاع أبنائهم في بلدان الخليج الذين كان عددهم يتزايد قبل بدء أزمة كورونا، وما نتج عنها من انكماش اقتصادي جعل البعض منهم يفكّرون بالعودة إلى الوطن.
قدّر الآباء الجهود التي يقوم بها مطارنة هذه الأبرشيّات والتضحيات الجبّارة التي يقدّمونها بالتعاون مع كهنة الرعايا والعلمانيين الملتزمين في حقل الخدمة الاجتماعيّة والجمعيات الكنسيّة والمدنيّة في سبيل تأمين المساعدات الضروريّة لأبنائهم وعيش القرب منهم وتشجيعهم على الثبات في أرضهم والحفاظ على إيمانهم بالله ورجائهم بمستقبل أفضل.
وتقدّموا بالشكر من الأبرشيّات المارونيّة في بلدان الانتشار ومن المؤسسات العالميّة، الكنسيّة والمدنيّة، على تضامنها ودعمها ومساعداتها السخيّة.
ب-أوضاع أبرشيّات الانتشار
-كذلك، تداول الآباء أوضاع أبرشيّات الانتشار في أوروبا وأفريقيا وأميركا وأوقيانيا وحاجات بعضها. وتوقفوا بشكل خاصّ عند أبرشيّة فرنسا وإكسرخوسيّة كولومبيا مع البيرو والإكوادور التي لا تزال تعاني من نقص في الكهنة والدعم المالي، وأبرشيّة الأرجنتين مع بوليفيا وتشيلي والباراغواي والأوروغواي، وأبرشيّة نيجيريا والزيارة الرسوليّة لموارنة بلدان أفريقيا الجنوبيّة، وأبرشيّة أستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا التي تحتفل في أيلول المقبل باليوبيل الذهبي على تأسيسها.
وتوقفوا عند ظاهرة هجرة الموارنة واللبنانيين المتزايدة نحو بلدان الانتشار التي تطرح إشكاليّة تناقص أعدادهم في الأوطان الأمّ وتزايد الحاجات الرعويّة لخدمتهم في الأوطان الجديدة والمضيفة. وطالبوا أبناءهم الوافدين بعدم قطع الروابط مع كنيستهم الأمّ وأوطانهم الأمّ وبالحفاظ على حقوقهم المدنيّة الكاملة فيها.
وقدّر الآباء ما يقوم به مطارنة الانتشار من جهود في سبيل جمع شعبهم وتوعيته على هويّته وتراثه وتاريخه عبر الحفاظ على الليتورجيا، وعلى اللغتين العربيّة والسريانيّة في المدارس والرعايا، إضافة إلى التعليم المسيحي.
وأوصوا بأن تكون مسألة تنشئة كهنة ورهبان وراهبات للرسالة في بلدان الانتشار في سلّم أولويّات أبرشيّات النطاق البطريركي والرهبانيات.
ثالثًا: في الشأن الاجتماعي والتربوي وخدمة المحبّة
-تداول الآباء في الحالة المعيشيّة المتدهورة في لبنان بسبب الأزمات المتراكمة وفقدان العملة الوطنيّة قيمتها وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائيّة والمحروقات وانقطاع الدواء؛ ما أوصل أبناءهم وبناتهم إلى حالة الفقر وانعدام القدرة على تأمين الحاجيات الضروريّة للحياة اليوميّة.
وتداولوا كذلك في واقع المؤسسات الكنسيّة، وبخاصّة تلك التربويّة والصحّية والاجتماعيّة التي تمرّ في مرحلة صعبة ودقيقة على المستويين المالي والإداري، نظرًا إلى الظروف المعيشيّة الراهنة، وعدم قدرة الدولة على دفع مستحقاتها، وعدم قدرة المؤسسات على القيام بمتوجباتها حتى بات الكثير منها مهدّدًا بالإقفال، وعدم قدرة المواطنين على النهوض بأعباء الحياة.
-عبّر الآباء عن قلقهم البالغ حيال هذا الواقع وأكدوا أنهم يجدّدون وقوفهم إلى جانب شعبهم وتقديم كل المساعدات الممكنة عبر مؤسساتهم الكنسيّة المختصّة، من بطريركيّة وأبرشيّة ورهبانيّة، وبخاصّة مؤسسة كاريتاس لبنان. وعبّروا عن شكرهم للمؤسّسات الخارجيّة التي تساند هي أيضًا.
وأكدوا من جهة ثانية مطالبة الدولة القيام بواجباتها نحو حقوق المؤسسات التربويّة والصحّية والاجتماعيّة وحقوق المواطنين الذين يؤدّون واجباتهم كاملةً بدفع الرسوم والضرائب والمتوجبات الإداريّة والمدنيّة.
وثمّنوا عاليًا روح التضامن التي تتجلّى لدى إخوتهم اللبنانيين بنوع خاصّ، مقيمين ومنتشرين، أفرادًا وجماعات، ولدى أصدقائهم عبر العالم، في تقديم المساعدات المعنويّة والماليّة والعينيّة إلى المحتاجين لتخفيف مآسيهم ومواجهة الحالة الكارثيّة التي وصلوا إليها.
وهم يشكرون أبرشيّات الانتشار والمؤسسات الكنسيّة والمدنيّة على الإسهامات التي تقدمها لدعم الحاجات المعيشيّة والطبّية والاستشفائيّة والمدرسيّة والجامعيّة.
رابعًا: في الشأن الوطني
-إن تراكم الأحداث في لبنان والأخطاء السياسيّة والجرائم الماليّة والتمادي في سياسة الفساد في خلال العقود الثلاثة الأخيرة أدّى إلى تهالك الأخلاق والقيم على صعيد الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والإعلاميّة، وإلى تفكّك الدولة على صعيد سلطاتها ومؤسساتها وإداراتها حيث تمكّنت طبقة سياسيّة غالبًا ما تقوم على الزعاماتيّة الزبائنيّة من وضع يدها على الدولة اللبنانية مسخّرةً مؤسساتها ومقدّراتها لمصالحها الخاصّة ولو على حساب الشأن العام وحقوق المواطنين. وأدّى أيضًا إلى ارتفاع نسبة الهجرة لدى الشباب اللبناني والافتقار إلى فرص العمل وتثقيل المهجّرين السوريين الأعباء على خزينة الدولة وعلى المواطنين في سوق العمل والهدر الخدماتي والتهديدات التربويّة والأمنيّة والديمغرافيّة. وبات لبنان اليوم يعاني من أزمة مصيريّة تكمن عقدتُها الكبرى في الاستهتار المتمادي عند البعض بوجوب إتمام استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية يتبعه تشكيل حكومة تضع في أولويّاتها تنفيذ الإصلاحات الملحّة.
لذا، إننا ندعو النواب إلى القيام بواجبهم الوطني والدستوري وانتخاب رئيس للجمهوريّة، ثمّ الإسراع في تشكيل حكومة مؤهّلة وقادرة تمتلك برنامجًا إصلاحيًّا ديناميًّا بحيث يكتمل عقد السلطات ويتأمّن توازنها وتعاونها بإرادة وطنيّة جامعة.
-يؤيد الآباء تأييدًا كاملًا مواقف أبيهم صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي يقوم بالمساعي الحثيثة لتعميق التفاهمات بين جميع اللبنانيين. وقد أكدت هذه المساعي من جديد دور البطريرك المؤتمن التاريخي على كيان لبنان ووحدة أبنائه وعلى دور بكركي التي كانت وستبقى دارًا للتلاقي والحوار بين كل الأطراف اللبنانيين. ويدعونه إلى متابعة هذه المساعي لجمع اللبنانيين وإقامة الحوار في ما بينهم، حوار المحبّة في الحقيقة لأن هذا الحوار بات ضروريًّا من أجل قراءة نقديّة لأحداث الماضي وتنقية الذاكرة وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة.
-يؤكد الآباء مواقفهم الداعية إلى وعيٍ وطني وصحوة ضمير لدى جميع المسؤولين السياسيين ليتعالوا عن مصالحهم الشخصيّة والفئويّة الضيّقة ويعملوا للخير العام ومصلحة لبنان العليا في الظروف الراهنة التي تشهد تحوّلات جيوسياسيّة كبيرة في الشرق الأوسط والعالم.
كما يؤكدون تمسّكهم بالثوابت الوطنيّة، أي العيش المشترك والميثاق الوطني والدستور والصيغة التشاركيّة بين المكوّنات اللبنانيّة في النظام السياسي وتطبيقها بشكل سليم، فيعملون معًا على بناء دولة حديثة بكل مقوّماتها، أي دولة وطنيّة لبنانيّة جامعة، دولة قانون وعدالة، دولة مشاركة، ودولة مواطنة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، دولة تحترم تنوّع الانتماءات الدينيّة تحت سقف الانتماء الوطني والولاء للوطن، كما كان يردّد البطريرك الياس الحويك.
خاتمة
في الختام، يتوجّه الآباء إلى أولادهم المنتشرين في كل أصقاع الأرض، ويقولون لهم:
أنتم تطلبون منّا، نحن الرعاة، شهادة حيّة في عيش خدمتنا الرعويّة على مثال المسيح.
إننا نسمع صراخكم وأنينكم ونتحسّس وجعكم في ظروفنا المأساويّة ونسعى إلى أن نقوم بموجبات الرعائيّة. ونقول لكم إن الكنيسة هي أمّ، تحضن أبناءها وبناتها بحنان وعطف وتسعى إلى خدمتهم بمحبّتها وتضحيتها. تطالبونها بالكثير وهي تضع كل إمكاناتها في خدمتكم وترافقكم وتحمل همّكم.
وبالرغم من الأوضاع الكارثيّة التي تدعو إلى اليأس، لدينا الكثير من العوامل التي تدعونا إلى الرجاء: وهو يتجلّى في شبابنا، وعائلاتنا، وأمّهاتنا ونسائنا، وكهنتنا، ورهباننا وراهباتنا، وأساقفتنا. إنهم هنا صامدون معكم في وجه تجربة الهجرة أو الاستسلام. ويتجلّى أيضًا في أبنائنا وبناتنا في بلدان الانتشار الذين هم جزء لا يتجزأ من تاريخنا وتراثنا ومستقبلنا ويشكّلون اللوبي الروحي والاقتصادي والسياسي لكنيستنا وبلداننا.
رجاؤنا كبير بالمسيح الذي غلب العالم بموته وقيامته، وقال لنا: لا تخافوا! أنا معكم إلى منتهى الدهر. وهو لا يخيّب من يرجونه! إنه الطريق والحقّ والحياة!
سنبقى في أرضنا شهود المحبّة وأنبياء الحقّ، ثابتين في إيماننا ورجائنا.
والكنيسة لن تسكت عن الظلم، وستبقى صوت الحقّ يعلو في وجه سالبيه! وتسعى مع أبنائها وبناتها إلى تحقيق ملكوت الله في العالم، ملكوت المحبّة والعدالة والأخوّة والسلام، بشفاعة العذراء مريم رفيقة دربنا، وجميع قديسينا شفعائنا في السماء.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.