أولى هذه العظائم الحبل بها، كثمرة حبّ والديها يواكيم وحنّة، معصومة من دنس الخطيئة الأصليّة الموروثة من معصية أبوَيْنا الأوّلين آدم وحوّاء. إن «عقيدة الحبل بلا دنس» أعلنها الطوباوي البابا بيوس التاسع في 8 كانون الأوّل 1854 بقوله: «إن الطوباويّة مريم العذراء عُصمت منذ اللحظة الأولى للحبل بها من كل دنس الخطيئة الأصليّة، وذلك بنعمة وإنعام فريدَيْن من الله القدير، ونظرًا إلى استحقاقات يسوع المسيح مخلّص الجنس البشري الذي سيولد منها بقوّة الروح القدس».
6.ومن بين عظائم الله لها: أمومتها ليسوع الكلمة المتجسّد وهي عذراء بقدرة الروح القدس، وبطاعة الإيمان. فظلّت عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده. ومشاركتها في آلام ابنها يسوع لفداء العالم. ووقفت على أقدام الصليب بألم لا يوصف، ولكن دائمًا بطاعة الإيمان. فكما بطاعتها الإيمانيّة يوم البشارة أصبحت أمّ يسوع التاريخي، هكذا بطاعة الإيمان أمام ابنها المصلوب على خشبة والألم يمزّق قلبها، أصبحت أمّ يسوع الكليّ أي الكنيسة المتمثّلة بيوحنا.
7.وتوّج الله عظائمه لمريم بانتقالها إلى مجد السماء بنفسها وجسدها وهي عقيدة أعلنها المكرّم البابا بيوس الثاني عشر في 1 تشرين الثاني 1950، بحيث لا يمكن لمريم المعصومة من كل خطيئة أن تعرف فساد الموت. «فبعدما أنهت مسيرة حياتها على الأرض رُفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماوي». وتوّجها الثالوث القدوس: الآب وهي ابنته، والابن وهي أمّه، والروح القدس وهي عروسته، سلطانة السماوات والأرض، وأمّ جميع الشعوب، وعندنا هي أيضًا سيّدة لبنان، ولن تترك أبناءها وبناتها فريسة الأشرار الظالمين والمستبدّين وأمراء الحروب. ولئن وقعت ضحايا هنا وهناك، وهُجّر شعب وافتقر، فرجاؤنا وطيد بأنّ هذه الأمّ السماويّة تتعهّد الجميع بحنانها، وتعرف كيف تخاطب قلوبهم.
8.وعلى الرغم من كل مظاهر الانهيار السياسي والمالي والاجتماعي والمعيشي عندنا، فإنّ ثقتنا بأمّنا مريم العذراء تبقى كبيرة. فسيّدة لبنان تحفظ هذا الوطن وتحمي شعبه ورسالته ودوره في بيئته المشرقيّة. وهي بواسطة البقيّة الباقية من المُخلِصين توجّه على طريقتها إلى طريق الخير والخروج من أزمتَيْن كبيرتَيْن:
الأزمة الأولى: الفراغ الرئاسي الذي يشلّ المؤسسات الدستوريّة: وبخاصّة مجلس النوّاب والحكومة والإدارات العامّة والقضاء، ويضع البلاد في حالة التفكّك والفوضى وفلتان السلاح، وارتفاع حالات الفقر بحيث إن أسرتَيْن من أصل خمس هي فقيرة أو فقيرة جدًّا، بحسب تقرير البنك الدولي. كلّنا نصلّي لكي يعمل ذوو الإرادة الحسنة على انتخاب رئيس يكسب الثقة الداخليّة والدوليّة، ويكون قادرًا بشخصيّته وتمرّسه على التعاون مع المؤسّسات الدستوريّة لتوطيد دولة القانون والعدالة، وإجراء الإصلاحات اللازمة في البنى والمؤسّسات وهي مطلوبة من المجتمع الدولي لتسهيل التعاون معه.
الأزمة الثانية، تنامي عدد النازحين السوريين في لبنان، وهو عدد بات يشكّل عبئًا ثقيلًا على لبنان، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وديموغرافيًّا وأمنيًّا. فإنّا نأمل خيرًا من اللجنة الحكوميّة التي تكوّنت وبدأت العمل على حلّ هذه الأزمة. ونطلب من المفوّضيّة لشؤون اللاجئين أن تتعاون مع هذه اللجنة بإعطائها ما يلزم من معلومات. فقد بدأنا نشكّ من حسن النيّات، ونتساءل هل وراء الموقف الدولي نيّة توطينهم في لبنان؟ وهل أنّهم لا يحبّذون عودتهم إلى سوريا خوفًا من الهجرة إلى بلدانهم؟ فكيف للبنان الرازح تحت أثقاله أن يحمل إضافة مليونَيْن وثمانين ألف نازح سوري وثلاثمائة ألف لاجئ فلسطيني؟ فنقول للمجتمع الدولي: قدّموا مساعداتكم للنازحين السوريين على أرض سوريا وطنهم لكي يواصلوا تاريخهم ويعزّزوا ثقافتهم ويحموا حضارتهم. فافصل أيّها المجتمع الدولي بين الوجه السياسي والوجه الإنساني-الوطني بعودة النازحين إلى بلادهم.
9.إنّنا في عيد أمّنا مريم العذراء سيّدة لبنان، نجدّد الطوبى لها والتكريم، ونسألها أن تتشفّع لنا لدى العرش الإلهي من أجل تحقيق أمنيات جميع الذين يتوافدون إليها حاملين آمالهم وهموم قلوبهم. ومعها نمجّد الثالوث القدوس الذي اختارها، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.