عمل الرسالة هذا لا ينشأ ببساطة من قدراتنا أو نيّاتنا أو مشاريعنا، ولا من إرادتنا ولا حتى من جهدنا في ممارسة الفضائل، بل من خبرة عميقة مع يسوع. عندئذٍ فقط يمكننا أن نصير شهودًا لشخص، ولحياة، وهذا يجعلنا «رُسُلًا». حينئذٍ، نعرف أنفسنا «أنّنا موسومون بوسم هذه الرسالة، بوسم من نار كي ننير ونبارك وننعش ونفرّج ونشفي ونحرّر» (الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، 273).
تلميذا عمّاوس هما أيقونة إنجيليّة لهذه الخبرة. بعد لقائهما مع يسوع القائم من بين الأموات، اعترفا الواحد للآخر بما في داخلهما: «أَما كانَ قَلبُنَا مُتَّقِدًا في صَدْرِنا، حينَ كانَ يُحَدِّثُنا في الطريق ويَشْرَحُ لَنَا الكُتُب؟» (لوقا 24: 32). يمكننا أن نرى فيهما ماذا يعني أن يكون فينا «قلوب مُتَّقِدَة، وأقدام تسير». وهذا ما أتمنّاه أيضًا من أجل اليوم العالمي للشبيبة المقبل في لشبونة، والذي أنتظره بفرح وشعاره هو: «قامَت مَرْيَمُ، فمَضَت مُسْرِعَةً» (لوقا 1: 39). ليشعر كل واحدٍ منّا بأنّه مدعوّ إلى أن يقوم ويمضي مسرعًا، وقلبه متّقد!
مدعوّون معًا: مجتمعين
روى مرقس الإنجيلي الوقت الذي فيه دعا يسوع إليه التلاميذ الاثني عشر، كل واحد باسمه. أقامهم ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا ويشفوا الأمراض ويطردوا الشياطين (راجع مرقس 3: 13-15). هكذا وضع الربّ يسوع أساسات جماعته الجديدة. كان التلاميذ الاثنا عشر من خلفيّات اجتماعيّة ومهنيّة مختلفة، ولم يكونوا من الطبقات المهمّة. وتروي لنا الأناجيل عن دعوات أخرى، مثل دعوة التلاميذ الاثنين والسبعين الذين أرسلهم يسوع اثنين اثنين (راجع لوقا 10: 1).
الكنيسة هي Ekklesía، وهو مصطلح يوناني يعني: جماعة من الناس المدعوّين لتشكيل جماعة تلاميذ وتلميذات أرسلهم يسوع المسيح، التزموا أن يعيشوا حبّه في ما بينهم (راجع يوحنا 13: 34/ 15: 12) وأن ينشروه بين الجميع حتى يأتي ملكوت الله.
في الكنيسة، نحن جميعًا خادمون وخادمات، حسب الدعوات والمواهب والخدمات المختلفة. الدعوة إلى بذل الذات في المحبّة، المشتركة بين الجميع، تتجلّى وتصير عمليّة في حياة المسيحيين العلمانيين، الملتزمين ببناء العائلة ككنيسة عائليّة صغيرة، وإلى تجديد بيئات المجتمع المختلفة بخميرة الإنجيل، وبشهادة المكرّسين والمكرّسات الذين قدّموا ذاتهم لله عن إخوتهم وأخواتهم، وهم بمثابة نبوّة لملكوت الله، وبالخدّام المرسومين (الشمامسة والكهنة والأساقفة) المكرّسين لخدمة الكلمة والصلاة وشركة ووحدة شعب الله المقدّس. كل دعوة في الكنيسة تظهر بكمالها، وبحقيقتها وغناها، في ارتباطها مع سائر الدعوات، فقط. بهذا المعنى، الكنيسة هي سيمفونيّة دعوات، مع كل الدعوات المتّحدة والمتميّزة في وئام ومعًا «تنطلق» لتشعّ الحياة الجديدة لملكوت الله في العالم.
نعمة ورسالة: عطيّة وواجب
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، الدعوة عطيّة وواجب، وهي ينبوع حياة جديدة وفرح حقيقي. لتكن مبادرات الصلاة والتنشيط المرتبطة بهذا اليوم مصدر قوّة للإحساس بالدعوة في عائلاتنا، وفي الجماعات الرعويّة وفي الحياة المكرّسة، وفي الجمعيّات والحركات الكنسيّة. ليوقظنا روح الربّ القائم من بين الأموات من خمولنا وليمنحنا المشاركة والتعاطف، لنعيش كل يوم متجدّدين مثل أبناء لله الذي هو محبّة (راجع يوحنا 4: 16)، فنكون بدورنا مولِّدين للحياة في المحبّة: قادرين على منح الحياة في كل مكان، ولا سيّما حيث يوجد الإقصاء والاستغلال والفقر والموت. بهذه الطريقة تتّسع مساحات المحبّة، ويزداد ملك الله في هذا العالم.
لترافقنا الصلاة في هذه المسيرة التي كتبها البابا القديس بولس السادس في مناسبة اليوم العالمي الأوّل للدعوات، 11 أبريل/نيسان 1964:
«يا يسوع، راعي النفوس الإلهي، أنتَ الذي دعوت الرسل لتجعلهم صيّادي بشر، شُدّ إليك دائمًا نفوسًا متحمّسة وسخيّة من بين الشباب لتجعلهم أتباعك وخدّامك. اجعلهم مشاركين لك في عطشك لفداء العالم... وافتح لهم آفاق العالم بأسره... حتى يستجيبوا لدعوتك، ويكمّلوا رسالتك هنا على الأرض، ويبنوا جسدك السرّي الذي هو الكنيسة، ويكونوا «ملح الأرض» و«نور العالم» (متى 5: 13-14)».
لترافقكم مريم العذراء وتحميكم. مع بركتي.
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.