5.إنّنا في هذه المناسبة نثني على نشاطات الجمعيّة. ونقدّر كل التقدير إيمان مؤسّستها ميرنا، على أنها بالإيمان والصلاة عرفت أن تكون أكبر من مصيبتها، وأدركت أن الألم هو فرصة الدخول في عمق الحوار مع الله الذي يعزّينا بما يوحي إلينا من مبادرات. نجد في التاريخ الكثير من الشواهد.
6.«فعل يوسف كما أمره الملاك في الحلم» (متى 1: 24).
هذا يعني أن يوسف كان في حالة إصغاء وحوار مع الله. فتميّز بطاعة الإيمان. وبهذا التقى بإيمانٍ مريم التي أجابت المرسَل الإلهي بعبارة: «أنا أمة الربّ. فليكن لي بحسب قولك» (لوقا 1: 38). ولمّا زارت نسيبتها أليصابات لتخدمها، حيّتها بالكلمة النبويّة: «طوبى لمن آمنت بأنّ ما قيل لها من الله سيتمّ» (لوقا 1: 45).
بفضل إيمان مريم ويوسف، ائتمنهما الله على السرّ المخفيّ منذ الدهور، وهو سرّ ابن الله المتأنّس الذي كشف فيه الله ذاته. يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني أن «طاعة الإيمان واجبة لله الموحي. وبها يسلّم الإنسان أمره كله لله حرًّا في كمال طاعة العقل والإرادة لله الموحي، وفي اعتناق إرادي للوحي الصادر عنه» (الدستور العقائدي في الوحي الإلهي: كلمة الله، 5).
7.إن القديس يوسف نموذج للحوار مع الله والناس. وهذا مطلوب من كل إنسان، وعلى الأخصّ من كل مسؤول في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. أساس الحوار هو الإصغاء أوّلًا لما يقوله الله، علمًا بأن الله يكلّمنا بشكل دائم بشخص المسيح، بكلام الإنجيل، بتعليم الكنيسة، بالإخوة الفقراء والمعوزين، بأحداث الحياة، حلوها ومرّها، بشخص خدمة الكهنوت والمكرّسين، وبصوت الضمير. إن كلام الله «نور وحياة»، بدونهما تخبُّط في الظلمة، وشلل العقل عن الحقيقة، والإرادة عن الخير، والقلب عن الحبّ والمشاعر والإنسانيّة.
الحوار مع الناس يتأسّس هو أيضًا على الإصغاء. نسمعهم بما يقولون، ويتألّمون، ويتوقون. ونسمعهم عندما نسبقهم إلى تلبية مشاعرهم وحاجاتهم قبل أن يتكلّموا ويتظاهروا وينتفضوا. فالمسؤول هو الذي يصغي ويبتكر ويميّز حاجات الذين هم في دائرة مسؤوليّته.
8.لا تستطيع الجماعة السياسيّة ممارسة السياسة بمعزل عن الحوار الصريح والمتجرّد، وعن الإصغاء المتبادل وتمييز القرار الواجب اتخاذه، من دون فرض الرأي عنوةً، ومن دون حسابات مخفيّة، وبمعزل عن السعي الدؤوب إلى توفير الخير العام الذي فيه تجد معناها ومبرّر وجودها، والذي يشكّل الأساس في حقّها بالوجود. «يقتضي الخير العام توفير مجمل شروط الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تمكّن وتسهّل لجميع المواطنين والعائلات والجمعيّات بلوغ كمال حاجاتهم» (الدستور الرعوي: الكنيسة في عالم اليوم، 74). في عدم توفير الخير العام يكمن مصدر أزماتنا: السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والتجاريّة والأخلاقيّة. وهذا هو السبب الأساس لتعثّر بل لتعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، وبنتيجة هذا التعطيل شلل المجلس النيابي والحكومة والوزارات والإدارات العامّة. بل هنا مكمن الفوضى والفساد وتفكيك أوصال الدولة وإفقار المواطنين والتسبّب بقتلهم وموتهم جوعًا ومرضًا وانتحارًا.
إذا سمع المسؤولون صوت الله عبر كلامه، لوجدوا الباب إلى الحلّ. فكلام الله يحرّر ويوحّد. وأيّ كلام آخر آتٍ من المصالح الشخصيّة والفئويّة والمذهبيّة، يأسر في مواقف متحجّرة، وبالتالي يفرّق ويباعد ويعطّل سير الحياة العامّة.
9.ولا ينسينّ المسؤولون السياسيّون أن العمل السياسي هو خدمة الإنسان، بموجب تصميم الله الذي أراد أن يؤلّف من الرجال والنساء عائلة بشريّة واحدة، يتعاملون فيها بروح الأخوّة في ما بينهم، وبروح البنوّة للخالق الواحد. ما يجعل كل الأشخاص بحاجة الواحد إلى الآخر، وهم في حالة ترابط. من شأن السلطة السياسيّة تعزيز هذا الترابط والتكامل بين المواطنين، وتسهيل سعيهم إلى إنشاء جمعيّات ومنظّمات عامّة وخاصّة، ووضع نظامٍ اجتماعي يضمن خير كل شخص، إذ يتأسّس على الحقيقة، ويُحمى بالعدالة، وينتعش بالمحبّة، وينمو بالحرّية السائرة نحو مزيد من الاتّزان البشري.
10.نسأل الله بشفاعة القديس يوسف، شفيع العائلة البشريّة، أن يمنح الجميع نعمة الإصغاء لكلامه، والعمل بموجبه على مثال القديس يوسف، فنستحقّ أن نرفع إليه آيات الشكر والتسبيح، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.