أربيل, الاثنين 20 فبراير، 2023
الصوم في اللغة العربيّة هو الإمساك والترك، وصام الكلام أي سكت. ومثلها الكلمة اليونانيّة νεστεια (نستيا) التي تعني الإمساك أيضًا. ولا يختصّ الإمساك بالانقطاع عن الطعام والشراب لفترة محدّدة وحسب، بل فيه دعوة أيضًا إلى ضبط الجسد والنفس معًا. فالصوم زهدٌ اختياري، علامة على التوبة والتواضع لله ودلالة على طاعته والسير بحسب شرائعه والعمل بفرائضه، عبر ترك ما يقدّمه العالم من ملذّات فانية والانقطاع للصوم والصلاة، ما يجعل سيادة الإنسان تتقوّى على أهوائه ورغباته وتتوثّق صلته بخالقه.
في العهد القديم، يخبرنا الكتاب المقدّس أن الصوم الأوّل فرضه الله على أبوَيْنا الأوّلَيْن آدم وحواء، حينما أمرهما بالامتناع عن أكل ثمر الشجرة المزروعة في وسط الجنة. وإذ لم يمتثلا، عاقبهما بالطرد. ثم حدّد الربّ لشعبه أصوامًا ثابتة في أيّام محدّدة ورد ذكرها في سفر زكريا: «هكذا قال ربّ الجنود: إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لِبَيْتِ يهوذا ابتهاجًا وفرحًا وأعيادًا طيّبة. فأَحِبُّوا الحقّ والسلام» (زك 8: 19).
وتتالى ذكر الصوم في العهد القديم عندما صام الشعب أيّام أستير وصوم أهل نينوى، كما صام الشعب أيّام عزرا، نحميا ويوئيل. لكن طبيعة الصوم المقبول لدى الله تتجلّى في هذه الآية: «أَلَيْسَ هذا صَوْمًا أَختارُهُ: حَلَّ قُيودِ الشرّ. فَكَّ عُقَدِ النِير، وَإطلاقَ المَسحُوقِينَ أَحرارًا، وَقَطْعَ كل نيرٍ. أَلَيسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ المساكينَ التائهينَ إلى بيتِكَ؟ إذا رَأَيْتَ عريانًا أنْ تَكسُوهُ، وأن لا تَتَغاضى عن لَحْمِكَ» (أش 58: 6-7).
يخبرنا سفر التثنية أن موسى صام استعدادًا لاستلام لَوْحَي الشريعة: «حينَ صَعِدْتُ إلى الجبل لكي آخُذَ لَوْحَي الحَجَر، لَوْحَي العهد الذي قَطَعَهُ الربُّ معكُم، أَقَمْتُ في الجبل أربعين نهارًا وأربعين ليلةً لا آكُلُ خُبزًا ولا أشربُ ماءً» (تث 9: 9). ومثله صام إيليّا أربعين يومًا قبل البدء برسالته: «فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بقوّة تلك الأَكْلَةِ أربعين نهارًا وأربعين ليلة إلى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ» (1 مل 19: 8).