زهد الصوم هو التزام، تحرّكه النعمة دائمًا لكي نتغلّب على نقص إيماننا وعلى مقاومتنا لاتّباع يسوع في مسيرة الصليب، تمامًا مثل حاجة بطرس والتلاميذ الآخرين. لكي نعمّق معرفتنا بالمعلّم، ونفهم ونقبل سرّ الخلاص الإلهي كلّه الذي تحقّق في بذله الكامل لذاته بدافع الحبّ، علينا أن نتركه يقودنا وأن ينفرد بنا في مكان عالٍ، ونتجرّد عن الفتور والزهوّ. علينا أن نضع أنفسنا في مسيرة، في مسيرة صعود، تتطلّب جهدًا وتضحيةً وتركيزًا، مثل رحلة في الجبال. هذه المتطلَّبات مهمّة أيضًا من أجل المسيرة السينودسيّة التي التزمنا أن نحقّقها ككنيسة. حسنٌ لنا أن نفكّر في هذه العلاقة القائمة بين زهد الصوم والخبرة السينودسيّة.
في «الخَلْوَة» على جبل طابور، أخذ يسوع معه ثلاثة تلاميذ، اختارهم ليكونوا شهودًا على حدث فريد. أراد ألّا تكون خبرة النعمة تلك وحيدة، بل مشتركة، كما هو الحال مع حياتنا الإيمانيّة كلّها. إنّنا نتبع يسوع معًا. ومعًا، مثل كنيسة حاجّة في الزمن، نعيش السنة الليتورجيّة، وفيها نعيش الزمن الأربعيني، ونسير مع الذين وضعهم الربّ يسوع إلى جانبنا رفقاء دربٍ في مسيرتنا. على مثال صعود يسوع والتلاميذ إلى جبل طابور، يمكننا أن نقول إن مسيرة صومنا هي «سينودسيّة» لأنّنا نقوم بها معًا على الطريق نفسه، وتلاميذَ للمعلّم الواحد. نحن نعلم أنّه هو الطريق، وبالتالي، في المسار الليتورجي وفي مسار السينودس، لا تصنع الكنيسة شيئًا سوى أن تدخل في سرّ المسيح المخلّص بشكل أعمق وأكمل.
ونصل هنا إلى قمّة الحديث. روى الإنجيل أن يسوع «تَجَلَّى بِمَرْأًى مِنهُم، فأَشَعَّ وَجهُه كالشَّمْسِ، وتَلألأَت ثِيابُه كالنُّور» (متى 17: 2). هذه هي «القمّة»، وهدف المسيرة. في نهاية الصعود: بينما هم في أعلى الجبل مع يسوع، أُعطي للتلاميذ الثلاثة النعمة لأن يروه في مجده، مشعًّا بنورٍ فائقٍ الطبيعة، لم يأتِ من الخارج، بل كان يشعّ منه هو نفسه. هذا الجمال الإلهي لهذه الرؤية كان يسمو بشكل لا يُضاهى أيّ جُهدٍ يمكن أن يكون الرسل قد بذلوه في الصعود إلى جبل طابور. كما في كل رحلة جبليّة شاقّة: عند الصعود علينا أن نُبقي عيوننا ثابتة في المسار، لكن في النهاية، المشهد الذي يظهر أمامنا يفاجئنا ويعوّضنا بروعته. العمليّة السينودسيّة تبدو أيضًا غالبًا شاقّة وأحيانًا يمكن أن تحطَّ من عزيمتنا. لكن ما ينتظرنا في النهاية هو بالتأكيد أمرٌ رائع ومدهش، وسيساعدنا على فهم أفضل لإرادة الله ورسالتنا في خدمة ملكوته.
ازدادت خبرة التلاميذ غنًى على جبل طابور عندما ظهر موسى وإيليّا، إلى جانب يسوع المتجلّي، وكل واحد منهما يشخّص الشريعة أو الأنبياء (راجع متى 17: 3). الجديد في المسيح هو أنّه إتمامٌ للعهد القديم وللوعود، وهو لا ينفصل عن تاريخ الله مع شعبه ويكشف عن معناه العميق. وبالمِثِل، المسيرة السينودسيّة متجذّرة في تقليد الكنيسة ومنفتحة في الوقت نفسه على كل ما هو جديد. التقليد هو مصدر إلهامٍ للبحث عن طرقٍ جديدة، وتجنّب التجارب المعاكسة والداعية إلى الركود والاختبارات العفويّة.
هدف المسيرة في زهد الصوم، وكذلك المسيرة السينودسيّة، هو التجلّي، الشخصي والكنسي. وهو في كلتا الحالتَيْن على مثال تجلّي يسوع، ويتمّ بنعمة سرّه الفصحي. حتى يتحقّق هذا التجلّي فينا في هذه السنة، أودّ أن أقترح «مسارَيْن» نتبعهما لكي نصعد معًا مع يسوع ونصل معه إلى الهدف.
الأوّل، يشير إلى فعل الأمر الذي وجّهه الله الآب إلى التلاميذ على جبل طابور، وهم يشاهدون يسوع متجلّيًا. قال الصوت من الغمام: «لَهُ اسمَعوا» (متى 17: 5). إذن، الإشارة الأولى واضحة جدًّا: أن نستمع إلى يسوع. الزمن الأربعيني هو زمن نعمة بالمقياس الذي فيه نستمع إليه، هو الذي يكلّمنا. وكيف يكلّمنا؟ أوّلًا في كلمة الله التي تقدّمها لنا الكنيسة في الليتورجيا: لا ندعها تقع في الفراغ. إن لم نستطع أن نشارك دائمًا في القدّاس الإلهي، لنقرأ قراءات الكتاب المقدّس اليوميّة، حتى بمساعدة الإنترنت. بالإضافة إلى الكتاب المقدّس، يكلّمنا الربّ يسوع في الإخوة، ولا سيّما في وجوه وقصص الذين يحتاجون إلى المساعدة. لكن، أودّ أن أضيف أيضًا جانبًا آخر، مهمًّا جدًّا في العمليّة السينودسيّة: استماعنا إلى المسيح يمرّ أيضًا من خلال استماعنا إلى الإخوة والأخوات في الكنيسة، ذلك الاستماع المتبادل الذي هو الهدف الرئيسي في بعض المراحل، ولكنّه مع ذلك يبقى دائمًا أمرًا لا غنى عنه في طريقة وأسلوب الكنيسة السينودسيّة.