الخبز المادّي
هو اليوم حاجة شعبنا الجائع، وغيره من شعوب الأرض، بسبب الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة والماليّة، وبسبب الحروب والتهجير والتشريد وهدم البيوت، وبسبب عوامل الطبيعة كالزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا. ولذا، زمن الصوم الكبير هو زمن خدمة المحبّة بالشكل المكثّف في البطريركيّة والأبرشيّات والرعايا والرهبانيّات والأديار والمؤسّسات الكنسيّة. وفيه تنظّم كاريتاس-لبنان حملتها السنويّة في الرعايا والمؤسّسات الكنسيّة والخاصّة والرسميّة، وعلى الطرقات العامّة، في كل المناطق اللبنانيّة. إنّنا نحيّي شبيبة كاريتاس المتطوّعين، ونشكرهم على ما سيعانون من تعب الوقوف والحرّ والبرد. ونسأل الله أن يكافئهم على تعبهم.
كذلك الصليب الأحمر اللبناني ينظّم حملته السنويّة، بالتنسيق مع حملة رابطة كاريتاس بحيث تأتي متكاملة معها في الأزمنة، متجنّبة حصولها في الزمن الواحد.
3.إن زمن الصوم الكبير يضع كل واحد منّا في حالة الواجب على مساعدة إخوتنا وأخواتنا من باب العدالة والتضامن والمسؤوليّة. الصيام يتضمّن بحدّ ذاته الصدقة التي هي إشراك من هو في حاجة ممّا نملك، أكان كثيرًا أم قليلًا.
تقاسم خيرات الدنيا هو طريقنا إلى الله، وواجب نؤدّي الحساب عنه، أخلاصًا أبديًّا أم هلاكًا، كما يؤكد الربّ يسوع في إنجيل الدينونة العامّة: «هلمّوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم لأنّني جعت فأطعمتموني... وابعدوا عنّي يا ملاعين إلى نار الأبد لأنّني جعت فما أطعمتموني... (راجع متى 25: 34-35). وكذلك في إنجيل الغني ولعازر» (لوقا 16: 19-32).
يقول القديس باسيليوس الكبير: «لا يحقّ لك أن تستعمل مالك كمتمتّع به على هواك، بل كموكَّل عليه»، والقديس غريغوريوس النيصي: «ما يفيض عنك ليس لك، فلا تستطيع أن تجعل نفسك مالكًا». قاعدة الصيام هي أنّك ما تدّخره بصيامك تساعد به من هم في حاجة.
خبز كلام الله
4.الحاجة الثانية الضروريّة مع الأولى، بل تفوقها، هي «الجوع إلى كل كلمة تخرج من فم الله» (متى 4: 4). يسوع، عندما صام عن الخبز المادّي، كان يغتذي من كلام الله، من إرادة الآب حتى تماهى بالكلّية مع الكلمة، بل هو إيّاها، فأصبحت جسده في سرّ القربان. هذا ما أكده للجموع بقوله: «أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المنّ في البرّية وماتوا... أنا هو الخبز الحيّ الذي نزلت من السماء، فمن يأكل من هذا الخبز يحيَ إلى الأبد. والخبز الذي أعطيه أنا، هو جسدي الذي أعطيه لأجل حياة العالم» (يوحنا 6: 48-51).
5.في عظة البابا فرنسيس، في أحد كلمة الله (22 كانون الثاني 2023)، تكلّم عن واجب السماع لكلمة الله لأنّنا بسماعها نتوب ونبدّل مجرى حياتنا وتصرّفاتنا ووجهة نظرنا، ونقرأ أحداث الحياة على ضوء هذه الكلمة لئلا نعيشها كمجرّد لغز.
يؤكد البابا ثلاثًا:
أوّلًا، كلمة الله موجّهة للجميع
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
6.كان يسوع يجول في القرى والمدن ويعلن كلمة الله. كان في حركة دائمة، وفي كل منطقة ومكان. أعلن الكلمة للمؤمنين وغير المؤمنين، للخطأة وللوثنيين، كلمته حبٌّ ورحمة وشفاء. ويريد أن يكون إعلان هذه الكلمة واجبًا أساسيًّا في حياة الجماعة الكنسيّة.
ثانيًا، كلمة الله تدعو إلى التوبة
7.افتتح يسوع رسالته حالًا بعد صومه الأربعيني بهذه الدعوة: «توبوا، لقد اقترب ملكوت السماء» (متى 4: 17). فكلام الله مثل سيف ذي حدّين، كما نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين: «إن كلمة الله حيّة وفعّالة، وأمضى من سيف ذي حدّين، وهي تلج حتى مفرق النفس والروح، والمفاصل والمخّ والعظام، وتحكم على مقاصد القلب وأفكاره» (عب 4: 12).
ما لم يضع كل واحد وواحدة منّا ذاته تحت مجهر كلمة الله، لن يستطيع أن يغيّر شيئًا في حياته ومسلكه ورأيه وعاداته وشوائبه وأخطائه.
ثالثًا، كلمة الله تجعلنا معلنين بشراها
8.بعدما أعلن يسوع كلام الملكوت، دعا تلاميذه الأوائل، واحدًا تلو الآخر. فكان أوّلهم سمعان وأخوه أندراوس. كانا صيّادي سمك، فمرّ بهما على الشاطئ وقال: «اتبعاني، أجعلكما صيّادي الناس» (متى 4: 19). فتبعاه وسلّمهما شبكة كلمة الله ومحبّته فاصطادا بها جميع الناس، فيما هما يبحران في بحر هذا العالم. من دون إعلان كلمة الله في كل مكان ولكل شعب، لا تستطيع الكنيسة أن تبتغي الإيمان. فالإيمان من السماع، والسماع يقتضي مبشّرين، على ما يقول بولس الرسول (راجع روما 10: 14).