لم يهدّد ولم يتوعّد بل وضع النقاط على الحروف، موضحًا أنّ سرّ الحياة الأبديّة يكمن في محبّة الله المُعَبَّر عنها بأعمال الرحمة والتضامن الإنساني، وهو ما شدّد عليه أيضًا في نصّ الدينونة الكبرى (متى 25: 31-46).
في مَثَلِ الغني ولعازار، نجد أنّ المسكين عُرِفَ اسمه في الملكوت وهو اسمٌ مدلولاته كثيرة، فلعازار يعني «الله سندي أو معونتي»، بينما نجد أنّ من استغنى عن الله وعن أخيه الإنسان وحصر همّه بالغنى المادّي، لم يُحفظ اسمه بل عُرِفَ بما اهتمّ به في هذه الحياة...
نستنتج هنا حقيقة جوهريّة في إيماننا المسيحي قوامها أن الوفر المادّي في هذه الدنيا ليس ضمانةً للحياة الأبديّة ولا يصلح كزوّادةٍ لما بعد الموت، والعبرةُ أنّ الإنسان أهمّ ممّا لديه وفقًا لمقولةٍ فرنسيّة شهيرة ترجمتها: المهمّ هو ما أنت عليه وليس ما لديك!
ما أنت عليه يعني إنسانيّتنا التي هي في آنٍ صورة الله ومثاله، فبقدر ما ننقّي الصورة ونُغني المثال، نكون حاضرين بشخصيّتنا وكياننا في حياة السماء...
في المقابل، بقدر ما نهمل إنسانيّتنا، نبتعد عن الله وصورته ومثاله...
لذا، فإنّ فكرة الموت وغموض توقيته يجب ألّا يُخيفا الإنسان، بل عليهما أن يحفّزاه ليقدّر قيمة كلّ لحظةٍ يعيشها، فيحياها بملئها من دون إهمال الوقت العابر والتعامل مع الأيّام بمنطق الدوّامة المتكرّرة... وبمعنى آخر، يدعونا الموت كي نقدّر أكثر قيمة الحياة!