بيروت, الأربعاء 8 فبراير، 2023
تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بتذكار مار مارون في 9 فبراير/شباط من كل عام. هو شفيع الكنيسة المارونيّة الذي تميّز بالتخلّي عن مجد الأرض وعيش حياة الزهد والتقشّف على قمّة جبل عالٍ.
أبصر مارون النور نحو العام 350، واسمه يعني «السيّد». هو راهب آراميّ العرق وسرياني اللغة، ترعرع في شمال سوريا قرب جبال طوروس أو ما كان يسمّى في تلك الحقبة بمنطقة قورش قرب أنطاكية. هجر مارون أمجاد الأرض، وراح ينشد الصلاة والتقوى والصوم على قمّة جبل عالٍ، من دون سقف يحميه من غضب الطبيعة، سوى خيمة صغيرة صنعها من جلد الماعز لم يكن يلجأ إليها إلّا قليلًا. وأخذ يمارس التقشّف والأعمال الشاقّة بهدف قهر الجسد، مرتديًا ثيابًا خشنة.
ويُروى أن مارون كرّس هيكلًا وثنيًّا بُنِيَ على ذلك الجبل، وخصّصه لعبادة الإله الحقّ. ولمّا ذاع صيته، جاءت إليه الجموع من كل صوب، سائلةً صلاته وشفاعته، فأصغى إليها بكل محبّة حتى حصلت على يده معجزات كثيرة على مستوى الشفاء الجسدي والنفسي. وكان مارون يخاطب الحشود ويحضّها على التمسّك بأسمى القيم الروحيّة والثبات بالإيمان الحقّ الذي يقودها إلى الاتحاد بالربّ.
قرّر مارون أن يحيا العزلة على قمّة الجبل بعيدًا من الناس، لكن أصداء فضائله تعالت أكثر حتى بلغت حدود الإمبراطوريّة البيزنطيّة التي كانت تسيطر على الشرق بكامله. ثمّ اجتمع من حوله الرهبان بأعداد لا تُحصى، فأسكنهم في البداية في مناسك وصوامع، وفق ما كانت تقتضيه العادة في تلك الأيّام، وبعدها بنى لهم أديارًا واهتمّ أيضًا بنصّ القوانين لتنظيم حياتهم، وراح يرشدهم إلى سبل بلوغ السماء. وهكذا، تركت أعماله الصالحة بصمتها في النفوس، وراحت الأديار المارونيّة تنتشر، ولا سيّما في شمال سوريا.