7.تنصّ مقدّمة الدستور اللبناني على «أن الشعب هو مصدر السلطات، ويمارسها بواسطة المؤسّسات» (ي). بموجب هذا القول: كل أصحاب المسؤوليّة في المؤسّسات الدستوريّة موكّلون من الشعب. فنراهم على العكس وبكل أسف أعداء الشعب. لقد فقّروه وجوّعوه ومرّضوه: حرموه من حاجاته وحقوقه الأساسيّة للعيش؛ منعوا عنه الخبز والغذاء؛ أماتوه بغلاء الدواء والطبابة. وفوق ذلك، حرموه العدالة بتسييس القضاء؛ جعلوه كخرافٍ لا راعي لها. كل ذلك بإحجامهم عن انتخاب رئيس للجمهوريّة. وهذا هو باب الفلتان والفوضى في حكم المؤسّسات.
8.فأين مجلس النوّاب الذي أضحى هيئة ناخبة، ويحجم عن انتخاب رئيس للجمهوريّة، قاطعًا من جسم الدولة رأسها؟ ألم يحن الوقت ليجتمع نوّاب الأمّة في المجلس النيابي، ويختاروا الرئيس المناسب والأفضل بالنسبة إلى حاجات البلاد وشعبها؟ وإذ نشجّع مبادرة النوّاب المجتمعين في قاعة المجلس للضغط من أجل انتخاب رئيسٍ، نتمنّى أن يكتمل العدد حتى النصاب وتتمّ العمليّة الانتخابيّة. والرئيس المناسب والأفضل هو الذي يعيد اللبنانيين إلى لبنان مع الاستقرار والازدهار. ولا يغيب عن بالنا أن تحدّيات إقليميّةً ودوليّةً تحاصر لبنان برئيسه وحكومته، فالمنطقة على مفترق أحداث خطيرة للغاية ويصعب التنبّؤ بنتائجها وانعكاساتها على لبنان.
من جهتنا ككرسيٍّ بطريركيٍ، نواصل الاتصالات والمساعي للدفع نحو انتخاب رئيسٍ جديدٍ، بالتنسيق الوثيق مع سائر المرجعيّات الروحيّة والسياسيّة، آملين التوافق مع جميع شركائنا في الوطن. فرئيس الجمهوريّة وإن كان مارونيًّا ليس للموارنة والمسيحيين فقط، بل لكل اللبنانيين. ونودّ أن يكون اختياره ثمرة قرار وطني ديمقراطي. فالمرحلة المقبلة هي مرحلة انتشال لبنان من الانهيار وإعادته إلى ذاته وهويّته في نطاق الكيان اللبناني.
9.أين العدالة التي هي أساس الملك، والقضاة في حرب داخليّة؟ قضاةٌ ضدّ قضاةٍ، وصلاحيّاتٌ ضدّ صلاحيّات، وأحقادٌ ضدّ أحقاد. لم يعرف لبنان في تاريخه حربًا قضائيّةً أذلّت مكانة القضاء وسمعة لبنان وحوّلت المجموعات القضائيّة ألويةً تتقاتل في ما بينها غير عابئةٍ بحقوق المظلومين والشعب. حين يختلف القضاة على القانون من سيتّفق عليه؟ وهل حقًّا كان الخلاف على المواد القانونيّة أم على المواد المتفجّرة لتعطيل مسار التحقيق في جريمة تفجير المرفأ؟ وإذ يؤلمنا ذلك، نرجو أن يواصل المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار عمله لإجلاء الحقيقة وإصدار القرار الظنّي والاستعانة بأيّ مرجعيّة دوليّة يمكن أن تساعد على كشف الحقيقة وأمام ضمائرنا 245 ضحيّة وخراب بيوت نصف العاصمة ومؤسّساتها. وما يؤسفنا أكثر أن نرى فقدان النصاب يطال اجتماعات الهيئات القضائيّة، فيُقدِم قضاةٌ ومُدّعون عامّون على تخطّي مجلس القضاء الأعلى ورئيسه ويمتنعون عن حضور الاجتماعات. وهذا غير مقبول! فللقضاء آليّته وتراتبيّته.
10.ماذا يبقى من لؤلؤة القضاء حين يتمرّد قضاةٌ على مرجعيّاتهم عوض أن يتمرّدوا على السياسيين، ويزايدون على بعضهم البعض، ويعطّلون تحقيقات بعضهم البعض، ويطلقون سراح متّهمين بالجملة ويعتقلون أهالي ضحايا المرفأ؟ وحين يطيحون أصول الدهم والاستدعاء والجلب، وينقلبون على أحكامهم، ويخضعون لأصحاب النفوذ؟ وحين يخالفون القوانين السياديّة وينتهكون سرّية التحقيقات أمام دول أجنبيّة قبل أن يعرفوا أهدافها الحقيقيّة ومَن يحرّكها؟ وحين يورّطون ذواتهم في مخطّطات الأحقاد والانتقام، ويستقوون على الضعفاء ويضعفون أمام الأقوياء ويهرّبون المعتقلين الأجانب؟ لن نسمح، مهما طال الزمن وتغيّر الحكّام، بأن تمرّ جريمة تفجير المرفأ من دون عقاب. وبالمناسبة، ماذا تنتظر الدولة اللبنانيّة لإعادة إعمار مرفأ بيروت ليستعيد حركته الطبيعيّة، خصوصًا أننا نسمع عن مشاريع لدى بعضهم لنقل مرفأ بيروت التاريخي إلى مكانٍ آخر.
11.نستطيع القول إن الدولة بمؤسّساتها وأجهزتها تبذل قصارى جهدها لتخسر ثقة المواطنين بها ولتدفعهم إلى الثورة المفتوحة. لمصلحة مَن هذا المخطّط؟ والأخطر أننا نرى البلاد اليوم تسودها الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة في غياب أيّ سلطة سياسيّة ودستوريّة وأيّ رقابة حكوميّة. فأين الحكومة التي تدّعي أنها تملك الصلاحيّات لتَحْكم؟ وأين السلطة التي تحمي المواطنين والشرعيّة؟
هذا كلّه نتيجة عدم انتخاب رئيس للبلاد. فحيث يغيب الرأس يتبدّد الجسم كلّه. لا يريدون تصديق ذلك، إلا إذا كان عدم انتخاب الرئيس مقصودًا.
12.نصلّي لكي يلهم الله كل صاحب سلطة أن يمارسها بالأمانة والحكمة، فهو موكّل لا سيّد. بهذا الإقرار نمجّد الله ونحمده، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.