8.بنتيجة هذه الخبرة كان الوعي الداعي جميع الشعوب والأمم إلى أن يضعوا من جديد أمام أعينهم الكلمة «معًا». في الواقع، بالأخوّة والتضامن، نحن معًا نبني السلام، ونضمن العدالة، ونتجاوز أشدّ الأحداث إيلامًا. لقد رأينا كيف أن جائحة كورونا شهدت المجموعات الاجتماعيّة، والمؤسّسات العامّة والخاصّة، والمنظّمات الدوليّة تتّحد لكي تواجه التحدّي، تاركةً جانبًا مصالحها الخاصّة. إن السلام الذي يولد من المحبّة الأخويّة المتفانية، وحده يستطيع أن يساعدنا لنتغلّب على الأزمات الشخصيّة والاجتماعيّة والعالميّة».
9.ويختم قداسة البابا رسالته بهذا الدعاء: «أتمنّى أن نتمكّن في السنة الجديدة من أن نسير معًا، ونتعلّم من التاريخ. وإنّي أقدّم أطيب التمنّيات إلى رؤساء الدول والحكومات، وإلى رؤساء المنظّمات الدوليّة، وإلى قادة الديانات المختلفة، وإلى كل الرجال والنساء أصحاب النيّات الحسنة، متمنّيًا لهم سنة جديدة سعيدة وأن يكونوا صانعي سلام يبنونه يومًا بعد يوم! ومريم الكلّية الطهارة، أمّ يسوع وملكة السّلام، فلتَشْفَع بنا وبالعالم أجمع».
10.كم يؤسفنا أن المسؤولين عندنا لم يتعلّموا شيئًا من جائحة كورونا، فظلّوا ضحايا كورونا فسادهم وكبريائهم وأسر مصالحهم وحقدهم وسوء نيّاتهم ومرضهم التخريبي: فلا انتخاب رئيسٍ جديد للجمهوريّة، ولا صلاحيّات كاملة لمجلس الوزراء، ولا من وضع حدٍّ للاضطراب القضائي والفلتان الأمنيّ، وللتعدّيات على أملاك الغير، ولشحّ الطاقة.
ومن المؤسف أيضًا بل والمخجل أن دولًا عربيّة وغربيّة تعقد لقاءات وتتشاور في كيفيّة مساعدة لبنان للنهوض بدءًا من انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة فيما المجلس النيابي مقفل على التصويت، متلطّيًا وراء بدعة الاتفاق مسبقًا على شخص الرئيس، وهم بذلك يطعنون بالصميم نظامنا الديمقراطي البرلماني (مقدّمة الدستور «ج»)، ويقلّدون ذواتهم حقّ النقض على هذا أو ذاك من الأشخاص.
11.فيا أيّتها الجماعة السياسيّة، أيّتها الأحزاب، أيّها النوّاب: لقد استنفدتم كل الوسائل والمواقف والمناورات وتباريتم في التحدّيات والسجالات، ولم تتوصّلوا إلى انتخاب رئيسِ تحدٍ ولا رئيسِ وفاقٍ ولا أيّ رئيس. هذا يعني أنّكم ما زلتم في منطق التحدّي. لا شعب لبنان ولا نحن نحتمل تحدّيًا إضافيًّا على صعيد الرئاسة ولا على غير صعيد. حذارِ حذارِ: فجَوُّ المجتمع تغيّر. النفوس تغلي وهي على أهبة الانتفاضة. لم يصل أيّ شعبٍ في العالم إلى هذا المستوى من الانهيار من دون أن ينتفض ويثور أكان في دولةٍ ديمقراطيّةٍ أم في دولةٍ ديكتاتوريّة.
12.إن إطالة الشغور الرئاسي سيتبعه بعد مدّةٍ شغورٌ في كبريات المؤسّسات الوطنيّة الدستوريّة والقضائيّة والماليّة والعسكريّة والديبلوماسيّة. منذ الآن، نحذّر من مخطَّطٍ قيد التحضير لخلق فراغٍ في المناصب المارونيّة والمسيحيّة. وما نطالب به لطوائفنا، نطالب به للطوائف الأخرى. لكننا نلاحظ تصويبًا على عددٍ من المناصب المارونيّة الأساسيّة لينتزعوها بالأمر الواقع، أو بفبركاتٍ قضائيّةٍ، أو باجتهاداتٍ قانونيّةٍ «غبّ الطلب»، أو بتشويه سمعة المسؤول. نحن لا ندافع عن أشخاصٍ بل عن مؤسّسات. لا يهمّنا رئيس مجلس القضاء الأعلى بل القضاء، ولا يهمّنا حاكم مصرف لبنان المركزي بل مصرف لبنان المركزي، ولا يهمّنا أصحاب المصارف بل النظام المصرفي اللبناني وودائع الناس، ولا يهمّنا تشريع الكابيتال كونترول بعدما فقد مفعوله، بل الحفاظ على الاقتصاد الحرّ وحرّية التبادل مع الخارج. لكن ما نرصده هو أن التركيز على الأشخاص يستهدف هدم المؤسّسات التي يقوم عليها النظام اللبناني وتطيير أموال المودعين. تكلّمنا عن كل هذه الأمور لأننا نحتفل بيوم السلام العالمي، فلا فائدة من الكلام عن السلام في الهواء إذا كان السلام مفقودًا في حياتنا اليوميّة. فالسلام يُبنى وهو أُنشد على الأرض يوم ميلاد يسوع المسيح. أنشده الملائكة: «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام».
13.خسر لبنان هذا الأسبوع الرئيس حسين الحسيني الذي برز في الحياة السياسيّة اللبنانيّة رجل دولةٍ يحترم الدستور ويلتزم الميثاق وينفتح على جميع المكوّنات اللبنانيّة من أجل تعزيز وحدة لبنان في إطار اتّفاق الطائف الذي لا يزال كاتم أسراره وملابساته. وإذ نعرب عن حزننا على فقده، نقدّم إلى مجلسَي النواب والوزراء وأفراد عائلته وأنسبائه وعارفيه، تعازينا الحارّة.
14.في خضمّ الضياع وفقدان عطيّة السلام، فلنبحث أين يسكن يسوع؟ يسكن في كلام إنجيله وفي سرّ القربان حيث هو حاضرٌ بيننا لكي نجد السلام ونكون من صانعي السلام. له المجد والشكر إلى الأبد، آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.