دمشق, الأربعاء 4 يناير، 2023
يطرح رحيل البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر في زمن الميلاد سؤالًا ملحًّا حول نظرته للطفل يسوع، وهو ما يمكن معرفته والتعمّق به من خلال كتابه «طفولة يسوع» الذي يشكّل الجزء الثالث من سلسلة يتناول فيها «يسوع الناصري». فما هي أبرز الأفكار اللاهوتيّة التي يقدّمها البابا في كتابه؟
يفتتح البابا كتابه بسؤال: من أين أنت؟ (يو 19: 9)، باحثًا في أصل يسوع الذي لم يُعالج بطريقة وافية باعتباره سؤالًا حول كيانه ورسالته. بالنسبة إلى متى ونظرًا إلى خلفيّته اليهوديّة المتأصّلة به، لقد بدأ إنجيله بلائحة لِنَسَبِ يسوع، مُرْجِعًا إيّاه إلى إبراهيم مرورًا بداوود. هذان الاسمان بالنسبة إلى متى حاسمان للجواب عن سؤال «من أين يأتي يسوع؟». لكن في الوقت نفسه، لفت البابا بنديكتوس النظر إلى وجود أربع نساء في اللائحة لم تكن أيٌّ منهنّ يهوديّة! ليدخل من خلالهن عالم الأمم في نسب يسوع وتتّضح رسالته تجاه اليهود والأمم. وتلك البداية لإنجيل متى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنهايته «تَلمِذُوا جميع الأمم».
بشكل نظري، تنتهي لائحة النسب لدى متى عند يوسف لكنه لا يقول إن يسوع من يوسف، وإنّما يقول إنه من مريم لتنتهي في الحقيقة لائحة النسب عندها، هي التي حَبِلَت من الروح القدس. ويكون يوسف الوالد القانوني فقط ليسوع الذي أتى من مكان آخر، «من فوق»، من عند الله نفسه. وهذا ما يتّضح أكثر مع إنجيل لوقا الذي يسرد كذلك نسب يسوع لكنّه لا يجعل آخر سلف له إبراهيم مثل متى، وإنّما يقول صراحة إنه «من الله».
انطلاقًا ممّا سبق، يؤكد بنديكتوس أن لا أهمّية للأسماء الفرديّة، خصوصًا مع عدم تطابق أسماء السلف بين متى ولوقا، بما في ذلك اسم والد يوسف. ما هو مهمّ يتمثّل بالهيكليّة الرمزيّة التي يظهر فيها موقع يسوع في التاريخ. وعن إنجيل لوقا، يقول بنديكتوس: «يحوي النَسَبُ 11 مرّة 7 عناصر، فلربّما كان لوقا يعرف المخطّط الرؤيوي الذي يوزّع التاريخ العام على 12 مرحلة إذ نجد هنا إشارةً في غاية التكتّم إلى أن ملء الأزمنة يبدأ مع يسوع».