في فجر ذلك اليوم الأسود، قُرعت طبول الحرب، وتآزرت قوى الظلام من أجل زهق أرواح المواطنين المسالمين في بلادهم…
العناية الإلهيّة رفيقتنا
"إنها 4:45 فجرًا في كييف. دقّت ساعة الحرب! أيقظتنا أصوات الصواريخ التي رأيناها تتطاير عبر نوافذ بيتنا، فأدركنا أن المعارك بدأت!" يخبر مؤسّس العائلة المارونيّة في أوكرانيا إيلي ساسين "آسي مينا"، مسلّطًا الضوء على أصعب اختبارات حياته عند اندلاع الحرب الروسيّة-الأوكرانية.
"ليست المرّة الأولى التي نُهَجَّر فيها من أوكرانيا، بل الثانية بعد تهديدنا بالقتل إثر دفاعنا عن كاهن أوكراني لاتيني خُطف في العام 2014، فغادرنا دونيتسك متوجّهين إلى خاركوف حيث بقينا حوالى شهر في مطرانيّتها".
ويتابع إيلي: "عشت في أوكرانيا حوالى 17 عامًا، وكنت في مدينة بوريسبول التي تضمّ أكبر مطار في البلاد عندما اندلعت الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة.
قرّرنا مغادرة كييف والانتقال إلى بولندا، وبدأت رحلتنا المحفوفة بالمخاطر: هيّأنا الأولاد للانطلاق من البيت، ورافقنا أحد الأصدقاء إلى مبنى آمن في العاصمة الأوكرانيّة حيث بقينا في الطابق الأرضي لبعض الوقت، لكنني ارتأيت ضرورة مغادرة هذا الشارع لأنه عام وأساسي ومعرّض للاحتلال الروسي.
في صباح اليوم التالي، غادرت مع عائلتي كييف في حين تريّث بعض الأصدقاء في مغادرة العاصمة الأوكرانيّة.
رافقتنا العناية الإلهيّة في مسيرتنا، فكانت تتدخّل لتذليل العقبات التي تمنع تقدّمنا نحو الحدود البولنديّة، على سبيل المثال تزويد سيّارتنا بالوقود بعد فراغ خزّانها في حين كانت المحطّات مقفلة.
شعرنا بأن الله دبّر أمورنا بأعجوبة، وخرجنا من كييف في الوقت المناسب قبل تعرّض الجسر الذي عبرناه إلى القصف".
بركة مار شربل عابرة الحدود
ويواصل إيلي سرد تفاصيل رحلته التي استغرقت 76 ساعة للوصول إلى الحدود: "في تلك الرحلة التي أعادت إلى ذاكرتي مشاهد الحرب اللبنانيّة الدامية، كانت الصواريخ تتطاير من كل الجهات المحيطة بنا.
اتصلت بالأب اللبناني جوزيف العنداري عبر الفيديو، وطلبت منه أن ننال سرّ الاعتراف لأننا نمشي في طرق مزنّرة بالخطر ولا نعرف إن كنا سنصل إلى برّ الأمان بسلام. اعترفنا بخطايانا وصلّينا المزامير والمسبحة في حين كان الطيران الحربي يحلّق فوقنا، وكنا نرى المدافع والدبّابّات والمسلّحين والحواجز والمتاريس في كل مكان…
علقنا في زحمة خانقة لكنني اضطررت إلى القيادة عكس السير كي أختصر المسافات وأنجح في عبور المحافظات غير الآمنة.
المشاهد المرعبة رافقتنا في رحلتنا: حاملات صواريخ، وأسلحة مضادة للطائرات…
وصلنا في الليل إلى مدخل محافظة لفيف حيث شُيّدت كنيسة مار شربل على مسافة 100 كلم2 منها، وضمّت مزارًا له وكابيلا تحمل اسمه. تواصلت مع كاهن الرعيّة، وتوجّهت إلى هذه الكنيسة لمحاولة إيجاد الحلّ للمشكلة الصحيّة التي طرأت على ابني جورج بعد تشنّج معدته وتضخّم بطنه بسبب كل ما نعيشه من رعب على مدى ساعات.
بعدئذٍ، طلبت من العائلة الدخول إلى الكنيسة للصلاة وطلب شفاعة مار شربل، فرفعنا صلاتنا أمام المذبح الذي يحتضن ذخيرة مار شربل في ضريح مصنوع من خشب الأرز ومشابه للضريح الذي يضمّ جثمانه في عنايا، فارتاح ابني وعاد إلى حالته الطبيعيّة".
ويقول إيلي: "لم نبقَ في تلك الرعيّة إلا لبعض الوقت لأن دويّ صفّارات الإنذار لم يتوقف، فغادرنا نحو بولندا.
توجّهنا إلى محطّة القطار بعدما تركنا حقائبنا في رعيّة مار شربل، واحتفظنا بحقيبة صغيرة تحتوي على ذخائر القديسين وأيقونات وصليب، وقلنا: لتكن مشيئتك يا ربّ!
انتظرنا في محطّة القطار وسط زحمة خانقة. على الرغم من التدافع، ساعدت في تنظيم ركوب القطار، لكنه توقف في الغابة ليلًا ما جعلنا نبقى فيه 24 ساعة…
وأخيرًا، وصلنا إلى الحدود حيث غمرنا الشعب البولندي بالمحبّة، مقدّمًا لنا الماء والطعام والألبسة وكل الحاجيّات اللازمة.
ابتسامات ومعانقات زرعت الراحة في القلوب.
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
كانت راهبات الفرنسيسكان في انتظارنا عند وصولنا، ودعتنا رهبنة الروح القدس إلى الدير التابع لها حيث استقبلتنا وأمّنت لنا كل حاجيّاتنا.
شاركنا في الذبيحة الإلهيّة، وسجدنا للقربان المقدّس، وصلّينا المسبحة مع الراهبات من أجل السلام في أوكرانيا".
ويختم إيلي سرد اختباره الأليم عبر "آسي مينا"، مؤكدًا أنه قرّر البقاء في بولندا لمتابعة أوضاع الجالية اللبنانيّة المسيحيّة.
مديرة التحرير السابقة في «آسي مينا»، صحافيّة لبنانيّة ملتزمة. سعيت دومًا في مسيرتي المهنيّة إلى حمل شعلة البشارة باسم يسوع المسيح وإيصال كلمته إلى أقاصي الأرض.
الأكثر قراءة
1
2
3
4
5
رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته
في حديث خاصّ لـ"آسي مينا"، يسلّط رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم الضوء على موقف الكنيسة الكاثوليكيّة من الحرب، ومفهوم الشهادة، والخطوات التي تتّخذها من أجل حماية الشعوب.