ويخبرنا تقليد مسيحي يعود إلى القرن السادس بأن العائلة المقدّسة عند هروبها من بطش هيرودس، بحسب القصّة الواردة في إنجيل متى، لجأت إلى هذا الموقع قبيل توجّهها إلى أرض مصر.
في هذا السياق، يعلّق حارس الأراضي المقدّسة الأب فرانشيسكو باتون على ارتباط القصّة والمكان بواقعنا، فيقول: «إن مغارة الحليب تُعتبر مكانًا يذكّر بالمعاناة التي لا يزال يعيشها اليوم ملايين المشرّدين واللاجئين والمنفيين المجبرين على مغادرة وطنهم لحماية حياتهم وحياة أُسرهم هربًا من الحروب والعنف».
وهناك تقليد آخر مرتبط بهذا المكان يقول إن العذراء، عندما كانت تُرضع ابنها، سقطت بعض القطرات من حليبها على أرض المغارة، فتحوّل لونها إلى الأبيض الناصع. وفي البقعة التي يُعتقد أن الحليب سقط فيها توضع اليوم صورة لمريم العذراء وهي تُرضع ابنها، وتُعتبر من الصور النادرة في العالم من حيث تجسيدها هذا المشهد. ويصفها الأب باتون قائلًا: «إنها صورة للتعبير الحيّ عن الرحمة، فهذا الحنان الذي تملكه مريم ليس تجاه الطفل يسوع فحسب، إنّما تجاه البشريّة جمعاء. نعلم جيّدًا أن مريم رعت الطفل حتى يكون مخلّصنا».
من هنا جاءت فكرة دعوة الآباء الفرنسيسكان للراهبات قبل سنوات وإعطائهنّ ديرًا مجاورًا للإقامة فيه (دير الراهبات الساجدات الدائمات للقربان المقدّس) حيث يصلّين المسبحة الورديّة أمام القربان المقدّس بلا انقطاع على مدار اليوم، في جوٍّ يسوده صمت وسلام وروحانيّة كبيرة، كما يصلّين للبابا والكهنة وجميع الحجّاج، وبخاصّة من أجل السلام في العالم، فغدت المغارة أحد المراكز الدوليّة للصلاة من أجل السلام لأنها تشكّل جزءًا من مشروع «12 نجمة على تاج مريم العذراء ملكة السلام».
من الأمور المثيرة للاهتمام أيضًا إيمان كثير من الناس، من مختلف الأديان، بأن أخذ القليل من المسحوق المطحون والمستخرج من صخور المغارة وإضافته إلى كأس ماء أو حليب أو عصير يعمل على زيادة خصوبة المرأة (مع الإيمان والصلاة)، ويزيد كمية الحليب لديها عند الرضاعة، كما له مفعول شافٍ للأمراض. فعلى مدى السنوات السابقة، أُرْسِلَت إلى بريد الكنيسة آلاف الشهادات ورسائل الشكر، منها ما هو موثّق بتقارير طبّية عن معجزاتٍ غالبيّتها تتعلّق بحلٍّ لمشكلة العقم، وقد خُصِّصَت غرفة لحفظ تلك الشهادات وعرض بعضها على الزوّار.
وتجدر الإشارة إلى أن واجهة الكنيسة من الخارج يعلوها صليب في أسفله صورة للعذراء المُرْضِعَة، وعلى اليمين واليسار كُتِبَ باللاتينيّة والعربيّة أمر ملاك الربّ ليوسف بأخذ الطفل والسفر به إلى مصر، وقد جُسِّدَ النصّ فنّيًّا من خلال زخرفة أطراف القوس الخارجي للكنيسة بنحتَيْن؛ يمثّل الأوّل مشهد الرؤيا والثاني الهروب. وهناك لافتة جانبيّة تدعو إلى التزام الهدوء، لما لهذا المكان من خصوصيّة. أمّا على أعلى باب الكنيسة، فيظهر لوحان؛ الأوّل كُتِبَ عليه بالعربيّة: «السلام على أمّ يسوع – أظهري ذاتكِ أمًّا لنا»، والثاني بالإنكليزيّة: «يا والدة الله صلّي لأجلنا».