أتعرفون أيّها المسؤولون، أن «الله يملك على كل الأمم» (إرميا 10: 7 و10)، ويفرض على متولّي السلطة أن يمارسها محافظًا على شريعته ورسومه؟ هل تعرفون في ضوء كل هذا أن السلطة المدنيّة هي ذات طابع أخلاقي يشكّل الأساس للعمل السياسي؟
فلأنّكم تجهلون كل هذا، أنتم تعتدون على مشيئة الله، وتمعنون في قهر الشعب الذي انتدبكم وائتمنكم: تمعنون في إفقاره وظلمه وتحقيره وحرمانه من حقوقه الأساسيّة ليعيش بكرامة في وطنه، وتمعنون في تشريده وتهجيره، واعتباره كـ«نفاية»، بحسب تعبير قداسة البابا فرنسيس.
6.كفّوا إذن، أيّها السادة النوّاب ومن وراءهم عن هذه السلسلة من الاجتماعات الهزليّة في المجلس النيابي، والمحقّرة في آن لكرامة رئاسة الجمهوريّة من جهة، وللاستفادة من شغورها من أجل مآرب سياسيّة ومذهبيّة من جهة أخرى، فضلًا عن السعي إلى تفكيك أوصال الدولة والمؤسّسات.
عودوا إلى نفوسكم واعلموا أن جماعة سياسيّةً، حاكمةً بالأصالة أو بالوكالة، ومعارضة بالأصالة أو بالوكالة، لا بدّ من أن تسقط مهما طالت السنوات ما دامت تهمل إرادة الشعب وتعتبره كميّةً لا قيمة لها وحرفًا ساقطًا. لقد أرسلكم الشعب إلى البرلمان لتنتخبوا رئيسًا لا لتُحْدِثوا شغورًا رئاسيًّا. والله أعطاكم مناسبة تَجَلٍّ لتنتخبوا رئيسًا في المهلة الدستوريّة، فحوّلتموها زمنَ تَخَلٍّ لا نعرف متى ينتهي، ووسيلة إهمال جديد لرغبة الشعب الذي يريد رئيسًا يحمي ظهر لبنان وصدره لا ظهر هذا أو ذاك. متى كان ظهر الدولة محميًّا، فظهر كل المكوّنات اللبنانيّة يكون محميًّا. الشعب يريد رئيسًا لا يخونه مع قريبٍ أو بعيدٍ ولا ينحاز إلى المحاور؛ رئيسًا يطمئنه هو ويحمي الشرعيّة لتضبط جميع قوى الأمر الواقع؛ رئيسًا يعمل مع مجلس وزراء جديد وفعّال وموحّد الكلمة، فتعود الحياة الطبيعيّة إلى مؤسّسات الدولة وإداراتها.
7.إن كل ما يجري على الصعيد الرئاسي والحكومي والنيابي والعسكري في الجنوب وعلى الحدود، وتآكل الدولة رأسًا وجسمًا، يؤكد ضرورة تجديد دعوتنا إلى الحياد الإيجابي الناشط، وإلى عقد مؤتمرٍ دولي خاصّ بلبنان يعالج القضايا التي تعيد إليه ميزته وهويّته، فلا يفقد ما بنيناه في مئة سنة من نظامٍ وخصوصيّةٍ وتعدّديّةٍ وحضارةٍ وثقافةٍ ديمقراطيّةٍ وشراكةٍ وطنيّة، جعلت منه «صاحب رسالة ونموذج في الشرق كما في الغرب»، بحسب قول البابا القديس البابا يوحنا بولس الثاني.
8.لقد آلمنا للغاية اغتيال الجندي الإيرلندي منذ ثلاثة أيّام، وهو من أفراد القوّات الدوليّة في الجنوب اللبناني. إننا نشجبها وندينها بأشدّ العبارات. ونعزّي بلده الصديق وعائلته، والكتيبة الإيرلنديّة وقائد القوّات الدوليّة وجنودها. وإننا نلتمس الشفاء العاجل لرفاقه المصابين. إن هذا الجندي الإيرلندي الذي جاء إلى لبنان ليحمي سلام الجنوب، استشهد فيه برصاصة حقد اغتالته. هذه الحادثة المأساويّة التي تشوّه وجه لبنان، إنما تستوجب تحقيقًا شفّافًا لبنانيًّا وأمميًّا يكشف الحقيقة ويجري العدالة. لقد حان الوقت، بل حان من زمان، لأن تضع الدولة يدها على كل سلاح متفلّتٍ وغير شرعي وتطبّق القرار 1701 نصًّا وروحًا لأن تطبيقه حتى الآن هو انتقائي واعتباطي ومقيّد بقرار قوى الأمر الواقع، فيما الدولة تعضّ على جرحها، وعلى تقييد قدراتها لصالح غيرها.
9.في زمن الميلاد الذي أشرق فيه نورٌ بدّد الظلمة عن الشعب السائر فيها، نلتمس من المولود الإلهي أن يبدّد الظلمة عن ضمائر المسؤولين لكي يتمكّن المؤمنون من عيش بهجة أنوار الميلاد.
ولد المسيح، هللويا! له المجد إلى الأبد، آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.