6.في لقائنا مع سفراء الدول العربيّة في سفارة لبنان في روما الأسبوع الماضي، لمسنا استعدادًا جامعًا لمساعدة لبنان، البلد الذي يكنّون له المحبّة، لكننا وجدنا لديهم بالمقابل عتبًا كبيرًا على النوّاب الذين يمتنعون عن انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة لأسبابٍ ليست لها علاقة بمصلحة لبنان. وتساءلوا بأسى كيف أوصل المسؤولون بلادنا إلى هذه المرحلة من التدهور، وصمّوا آذانهم عن كل نصائح الدول الشقيقة والصديقة للمصالحة الوطنيّة العميقة.
وكان واضحًا من مجمل الحديث أن مساعدة لبنان الفعليّة مرتبطة بانتخاب رئيسٍ أوّلًا، وبتأليف حكومةٍ قادرة على العمل وإجراء الإصلاحات، وبعودة لبنان إلى سياسته المحايدة والسلميّة والخروج من المحاور الإقليميّة، إلى بسط سلطة الدولة على كامل ترابها الوطني، والتنفيذ الجدّي للقرارات الدوليّة، وأن تكون مؤسّسات الدولة مستقلّة وتعمل بانتظامٍ حسب القوانين.
7.إن بداية تكوين السلطة في أيّ بلدٍ تبدأ بانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، لكن القوى المستقوية عندنا حوّلت الرئاسة جبهةً سياسيّةً في محاور المنطقة وقرّرت، رغم معارضة الرأي العام، الاستئثار بها لتبقى دولة لبنان جزءًا لا يتجزأ من محور الممانعة وحروبها واضطراباتها المستجدّة، وتضع لبنان في صفوف الدول المعادية للأسرتَيْن العربيّة والدولية وجزءًا من العالم المتخلّف حضاريًّا واقتصاديًّا وماليًّا على غرار وضع سائر دول الممانعة، وقد كانت في ما مضى دولًا موحَّدةً ومستقرةً وعلى طريق النموّ.
ومن المؤسف أن هذه القوى وحلفاءها لا يعيرون أيّ اهتمامٍ لمصلحة لبنان. وهم مستعدّون لاستنزاف الوقت أشهرًا وربّما سنواتٍ للحصول على مبتغاهم. لذلك، ندعو مجدّدًا رئيس مجلس النوّاب المؤتمن على إدارة الجلسات وتأمين الظروف الدستوريّة والنصاب الطبيعي الذي أشارت إليه المادّة 49 من الدستور للإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسيّة لكي لا يفقد المجلس النيابي مبرِّر وجوده كمركزٍ لانبثاق السلطة.
8.إن هذا الاستخفاف في انتخاب رئيس للدولة يضع الحكومة ورئيسها بين سندان حاجات المواطنين ومطرقة نواهي الدستور. فحكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس، لا حكومة جداول أعمال الأحزاب والكتل السياسيّة. ونتمنّى على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي طالما نأى بنفسه عن الانقسامات الحادّة أن يصوّب الأمور وهو يتحضّر مبدئيًّا لعقد اجتماعِ يوم الاثنين المقبل. فالبلاد في غنى عن فتح سجالاتٍ طائفيّة، وخلق إشكالاتٍ جديدةٍ، وتعريض الأمن للاهتزاز، وعن صراع مؤسّساتٍ، واختلافٍ على صلاحيّات، ونتمنّى على الحكومة خصوصًا أن تبقى بعيدة عن تأثيراتٍ من هنا وهناك لتحافظ على استقلاليّتها كسلطةٍ تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال.
9.من خلال ما أتيح لنا من لقاءات أخرى في روما، حزّ في نفسنا أن هناك فارقًا كبيرًا بين مشروع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم وبين مشروع المجتمع الدولي. فالدول المانحة لا تزال تربط العودة بالحلّ السياسي المعقّد في سوريا وبالقرار الطوعي للنازحين، ولا تضغط على النظام السوري لاستعادة شعبه. أمّا نحن، فنعتبر أن الظروف السوريّة صارت بغالبيّتها مناسبةً لعودة فوريّة للنازحين. والواجب الوطني يملي عليهم ذلك، حفاظًا على وطنهم وتاريخهم وثقافتهم.
إن بقاء نحو مليوني نازح سوري وغيرهم يغيّرون هويّة لبنان ونظامه وديمغرافيّته ونسيج شعبه، ويشكّلون خطرًا على أمنه. ونناشد رئيس الحكومة طرح هذا الموضوع دوليًّا، ولا سيّما في القمّة العربيّة-الصينيّة في التاسع من الشهر الحالي في المملكة العربيّة السعوديّة.
10.على الرغم من كل هذه الصفحة السوداء يبقى الله سيّد التاريخ. فنسأله، وهو الرحوم، أن يشملنا ووطنا لبنان برحمته، ويخرج شعبنا من آلامه المريرة، ويذكي في قلوب الجميع شعلة الرحمة. له المجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين.
في سياق منفصل، يغادر الراعي إلى الأردن في زيارة تستمرّ لغاية الخميس المقبل، تتخلّلها لقاءات مع المسؤولين الأردنيين، وعلى رأسهم الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.