في رسالته «بقلبٍ أبويّ» (2020) وهي رسالة رسوليّة بمناسبة الذكرى المائة والخمسين لإعلان القديس يوسف البتول شفيعًا للكنيسة جمعاء، كتب البابا فرنسيس ما يلي: «شعر يوسف بحزن شديد إزاء حمل مريم المستعصي الفهم: فهو لم "يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها"، بل قرّر "أن يُطلِّقَها سِرًّا" (متى 1: 19). فساعده الملاك في الحلم الأوّل على حلّ معضلة خطيرة... وكانت إجابته فوريّة: "لمَّا قامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوم، فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَبِّ" (متى 1: 24). تغلّب على مأساته عبر الطاعة، وأنقذ مريم».
إن قبول الإنسان لمشيئة الله الخلاصيّة يحدث تغييرًا جذريًّا في حياته كما حدث في حياة مار يوسف الذي انتقل من كونه نجّارًا يتحضّر لبناء عائلةٍ كباقي العائلات إلى مرتبة المؤتمن على أمّ الله وابنه الوحيد، مخلّص العالم.
هذا ما توسّع فيه البابا فرنسيس، فكتب: «قَبِلَ يوسفُ مريم من دون أن يضع شروطًا وقائيّة، فقد وضع ثقته بكلام الملاك. وجعله نبلُ قلبه يُخْضِعُ للمحبّة ما تَعَلَّمَهُ من الشريعة... اتّخذ قرارًا يحمي سمعة مريم وكرامتها وحياتها. وحين تردّد حول الطريقة الأفضل في التصرّف، ساعده الله في خياره منيرًا أحكامه... غالبًا ما تحدث أمور في حياتنا لا نفهم معناها. وغالبًا ما يكون ردّ فعلنا الأوّل هو خيبة الأمل والتمرّد. أمّا يوسف، فيضع تفكيره جانبًا حتى يفسح المجال لما يحدث. ومهما بدا الحدث غامضًا في عينيه، يقبله ويتحمّل مسؤوليّته ويتصالح مع تاريخه الشخصي. إذا لم نتصالح مع تاريخنا، فلن نتمكّن من القيام حتى بخطوة إضافية لأننا سنظلّ دائمًا أسرى تطلّعاتنا وخيبات الأمل الناتجة عنها».
إن القبول بالتغيير والمضي في طريقٍ آخر يتطلّبان شجاعةً ونضوجًا روحيًّا في آنٍ معًا... فالعالم يدعونا إلى تحقيق أحلامنا بطريقتنا فيما نجد في الكتاب المقدّس دعواتٍ متكرّرة إلى السير في طرقٍ مختلفة عن المألوف. في هذا السياق، يُعتبر مار يوسف مثالًا يحتذى به طبعًا، وفق ما أكد البابا القديس يوحنا بولس الثاني بالقول: «القديس يوسف هو مثال لكل مُرَبٍّ، ولكل مؤمن، لأنه عرف كيف يمرّ بخبرة ليل الشك، وبتجربة الغربة والاضطرار للهروب من الدار، من دون أن يفقد ثقته في الله وفي محبّته. فتعلّموا منه أن الثقة في الله هي وحدها القادرة على أن تحوّل الشك إلى يقين، والشرّ إلى خير، والليل الدامس إلى فجر منير».
نحن مدعوّون، في هذا الزمن وفي كل زمن، إلى التحلّي بشجاعة السير في طريقٍ مختلفٍ حين يكون هذا الطريق دربًا لتحقيق مشيئة الله في حياتنا وفي حياة الآخرين.
فهل لدينا الجرأة؟