الرئيس التوافقيّ بمفهومنا هو صاحب موقفٍ صلبٍ من القضايا الأساسيّة، وصاحب خياراتٍ سياديّةٍ لا يساوم عليها أمام الأقوياء والمستقوين، ولا أمام الضعفاء والمستضعفين، لا في الداخل ولا في الخارج.
الرئيس التوافقيّ هو الذي يحترم الدستور ويطبّقه ويدافع عنه، ويظلُّ فوق الانتماءات الفئويّة والحزبيّة، وهي تلتفّ حوله وتؤيّده ويكون مرجعيّتها وتطمئنّ إلى رعايته.
ليس الرئيس التوافقيّ رئيسًا ضعيفًا يدير الأزمة، يداوي الداء بالداء، ويداري العاملين ضدّ مصلحة لبنان، ولا رئيسًا يبتعد عن فتح الملفّات الشائكة التي هي السبب الأساس للواقع الشاذّ السائد في كل البلاد. ولا رئيس تحدٍّ يفرضه فريقه على الآخرين تحت ستار التفاوض والحوار والتسويات والمساومات، أو يأتون ببديلٍ يتّبع سياسة الأصيل نفسها. فيتلاعبون به كخِفِّ الريشة ويسيطرون على صلاحيّاته ومواقفه ويخرجونه عن ثوابت لبنان التاريخيّة ويدفعونه إلى رمي لبنان في لهيب المحاور.
7.الرئيس الذي نريده هو رئيس على مقياس لبنان واللبنانيين، يرفع صوته في وجه المخالفين والفاسدين ومتعدّدي الولاءات، انطلاقًا من موقعه المترفّع عن كل الأطراف، والذي يقول للعابثين بمصير البلاد: كُفّوا إساءاتكم إلى لبنان، وكُفّوا عن تعذيب اللبنانيين، وكُفّوا عن المضيّ في مشاريع مكتوبٍ لها السقوط الحتميّ آجلًا أو عاجلًا لأنّها ضدّ منطق التاريخ، وضدّ منطق لبنان.
الرئيس الذي نريده هو الذي يتحدّى كل من يتحدّى اللبنانيين ولبنان، والذي يقضي على المساعي الخفيّة والظاهرة إلى تغيير هويّة لبنان الوطنيّة والتاريخيّة. مهما كان شكل لبنان الجديد مركزيًّا أو لامركزيًّا، فلن نسمح بالقضاء على خصوصيّته وهويّته وتعدّديّته، وعلى كل ما يمثّل في هذا الشرق من وطن شكّل ملاذًا وطنيًّا آمنًا للمسيحيين كما لسواهم كي يعيشوا بإخاءٍ ورضا ومساواة وشراكة في ما بينهم في دولةٍ ديمقراطيّةٍ حضاريّة. فمن أجل هذه الأهداف السامية نشأ لبنان سنة 1920 وهكذا سيبقى.
فلا يمكن التنكّر لكل تضحياتنا من أجل لبنان وكل اللبنانيين، وللشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن هذا النموذج الحضاري وإنقاذًا للشراكة الوطنيّة. هذه خصوصيّةٌ ثابتةٌ مدى الدهور. وبقدر ما نحن حاضرون للنضال والكفاح لمنع تغيير وجه لبنان بقيمه وبخصوصيّته، فإنّا مستعدون أكثر فأكثر للتفاوض والحوار حول تطوير لبنان في إطار الحداثة والعدالة والحياد واللامركزيّة الموسّعة ومقترحات أخرى...
إن الرئيس التوافقيّ المنشود لا يمكن اختياره إلّا بالاقتراعات اليوميّة المتتالية والمشاورات بين سائر الكتل النيابيّة.
8.أمام فشل مجلس النواب الذريع في انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، بحيث كانت الجلسات الخمس بمثابة مسرحيّة-هزليّة أطاحت بكرامة الذين لا يريدون انتخاب رئيس للبلاد، ويعتبرون أنّه غير ضروريّ للدولة، ويحطّون من قيمة الرئيس المسيحي-الماروني، بالإضافة إلى فشل كل الحوارات الداخليّة أو بالأحرى تفشيلها من سنة 2006 حتى مؤتمر إعلان بعبدا سنة 2012،
لا نجد حلًّا إلّا بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاصّ بلبنان يُعيد تجديد ضمان الوجود اللبناني المستقلّ والكيان والنظام الديمقراطي وسيطرة الدولة وحدها على أراضيها، استنادًا إلى دستورها أوّلًا ثمّ إلى مجموع القرارات الدوليّة الصادرة بشأن لبنان. فإن أيّ تأخيرٍ في اعتماد هذا الحلّ الدستوري والدولي من شأنه أن يورّط لبنان في أخطار غير سلميّة ولا أحد يستطيع احتواءها في هذه الظروف.
إن الأمم المتّحدة معنيّةٌ مع كل دولة تعتبر نفسها صديقة لبنان أن تتحرّك لعقد هذا المؤتمر. ولقد رأينا أن هذه الدول حين تريد تحقيق شيءٍ تحقّقه فورًا مهما كانت العقبات، ولنا في سرعة الوصول إلى اتفاقٍ لبناني/إسرائيلي برعاية أميركيّة حول ترسيم الحدود البحريّة والطاقة خير دليلٍ على قدرة هذه الدول إذا حسمت أمرها.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
9.إن البشارة لزكريّا بمولد يوحنا تذكّرنا بأن رحمة الله فاعلة في التاريخ. فنصلِّ كي تشملنا ووطننا لبنان، وتخرجنا من مآسينا. فالله سميع مجيب، له المجد إلى الأبد، آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.