قال البابا فرنسيس، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في أثناء مقابلته العامة مع المؤمنين، ما يلي: «عندما كان لا يزال العالم يجهلها، وكانت فتاة بسيطة مخطوبة لرجل من بيت داود، كانت مريم تصلّي. يمكننا أن نتخيّل هذه الشابة من الناصرة مستغرقة في الصمت، في حوار مستمر مع الله الذي سيوكل إليها رسالتها قريبًا. هي ممتلئة بالنعمة وبريئة من دنس الخطيئة الأصليّة منذ الحمل بها، ولكنها لا تزال لا تعرف شيئًا عن دعوتها المدهشة والمميّزة وعن البحر العاصف الذي سيتعيّن عليها الإبحار فيه. أمرٌ واحد مؤكد: مريم تنتمي إلى المجموعة الكبيرة لمتواضعي القلوب الذين لم يذكرهم المؤرّخون الرسميّون في كتبهم، لكن الله أعدّ من خلالهم مجيء ابنه».
تخيّلوا معي إخوتي، في عالم اليوم، كيف تنهمر الصور والأخبار لدى إعلان الحبل بطفلٍ لملكة أو لنجمةٍ أو لشخصيّة مشهورة بينما يدخل الله بذاته في مسار تاريخنا من دون أضواء لأنّه النور بذاته، فلا يحتاج إلى من يشير إليه ولكنه، في الآن ذاته، يعنيه أكثر نموّ مشروع الفداء، والنموّ عادةً يتمّ في صمتٍ وهدوء كي تثبت جذوره ويظهر تدريجيًّا للعالم!
بهذا الأسلوب الإلهيّ «الهادئ»، تمّت البشارة التي تحقّق من خلالها ما وصفه مار أفرام السرياني (306-373) كالآتي: «ما أُفسَدَتْهُ حوَّاءُ بِتَمَرُّدِها، أصلَحَتْه العذراءُ بطاعتِها».
لا ترتبط عظمة الله بانبهار الإنسان بل بمخاطبة الله لأعماق قلبه، فتنبع منه وبحرّية، على مثال أمّنا مريم، «نعم» الخلاص لتسري «النِعَم» في حياته. كما أوضح بِيدَا الكاهن المكرَّم (673-735) كالآتي: «تعظِّمُ النفسُ الربَّ عندما يُكرِّسُ الإنسانُ كلَّ وجدانِه ليسبِّحَ اللهَ ويخدُمَه، ويبيِّنُ بمحافظتِه على الوصايا أنَّه يتأمَّلُ دائمًا في قدرتِه وجلالِه. تبتهجُ الروحُ في اللهِ خلاصِها، عندما تبتهجُ بذِكرِ خالقِها الذي منه رجاءُ الخلاصِ الأبديّ. تنطبقُ هذه الكلماتُ بحقٍّ على جميعِ الناسِ الكاملِين، وبصورةٍ خاصّةٍ على مريم العذراء».
يدعونا حدث البشارة إلى اليقين بأنّ الله لا يتجلّى وسط ضجيج حياتنا إلّا بقدر ما نفرغ قلبنا ليحتوي أمور الله على مثال مريم التي كانت «تحفظ تلك الأمور كلّها في قلبها» (لوقا 2: 51).
في ختام المقابلة العامة المذكورة أعلاه، قال البابا فرنسيس: «لقد شبّه أحدهم قلب مريم بلؤلؤة روعتها لا تُضاهى، كوّنها ونقَّاها القبول الصبور لإرادة الله من خلال أسرار يسوع التي تأمّلتها في الصلاة. كم سيكون جميلًا إذا تمكّنا نحن أيضًا أن نتشبّه قليلًا بأمّنا! فتكون قلوبنا منفتحة على كلمة الله وصامتة ومطيعة، قلوب تعرف كيف تستقبل كلمة الله وتسمح لها أن تنمو كبذرة خير للكنيسة».