4.سنُدان على الرحمة والعدالة.
على الرحمة التي تنبع من مشاعر الحنان والمحبّة في القلب البشري. كلّ الذين نادوا يسوع ليشفيهم: عميان وبرص ومقعدون قالوا: "يا ابن داود، يا معلّم، يا يسوع، ارحمني!" وكان الإنجيل يردّد أنّ يسوع تحنّن عليهم وشفاهم. لا نستطيع أن ننظر إلى المحتاج من دون إحساس وشعور بالشفقة. إنّ اللامبلاة خطيئة عظيمة تجاه هؤلاء المحتاجين.
وعلى العدالة لأنّ من حقّ كلّ محتاج أن يحصل على المساعدة التي هي واجب. فلا يحقّ لأحد أن يحتفظ لنفسه بما يخصّه. فالمبدأ الأساس في تعليم الكنيسة الاجتماعي هو أن "على كلّ ملكيّة خاصّة رهن اجتماعيّ". ما يعني أنّه لا توجد ملكيّة خاصّة بالمطلق. وتدعو الكنيسة في تعليمها إلى فضيلة التضامن الذي يعني "أنّنا كلّنا مسؤولون عن كلّنا".
5.فلو وُجدت ذرّة من الرحمة والعدالة لدى المسؤولين السياسيين النافذين عندنا الممسكين بمفاتيح الحلّ والربط، تجاه الشعب اللبناني، لما تركوه يئنّ تحت عبء الفقر والحرمان والظلم والتهجير، ولما أمعنوا في هدم مؤسّسات الدولة تباعًا وصولًا إلى رئاستها التي هي فوق كل الرئاسات والمؤسّسات، فأوقعوا هذه الرئاسة العليا والأساسيّة في الفراغ، إمّا عمدًا، وإمّا غباوةً، وإمّا أنانيّةً! هذه الرئاسة بصلاحيّاتها ودورها هي أساس الاعتراف بوحدة لبنان، كيانًا ودولةً. فرئيس الجمهوريّة ليس رئيسًا بين رؤساء بل هو فوق كلّ رئاسة. إنّ العودة إلى نغمة الترويكا قد ولّت، لأنّها تُعطّلُ التآلف بين السلطات والفصل في ما بينها، وتطعن في مفهوم قيام الدولة اللبنانيّة وميثاقها والشراكة الوطنية، وتولّد الفوضى الدستوريّة.
6.مع انتهاء ولاية فخامة الرئيس العماد ميشال عون، نشارك اللبنانيين في وداعه، ونتمنّى له الخير والتوفيق بعد حياةٍ طويلةٍ في مختلف المواقع العسكريّة والوطنيّة وصولًا إلى رئاسة الجمهوريّة التي يغادرها اليوم من دون أن يُسلِّمَها لخلفٍ، ولا لحكومةٍ أصيلة كاملة الصلاحيّات. لم يكن عهده سهلًا، بل محفوفًا بالأخطار والظروف الصعبة. فكان لبنان وسط محاور المنطقة وصراعاتها، وعرف أسوأَ أزمةٍ وجوديّةٍ في تاريخه الحديث، انعكست عليه وعلى الشعب اللبناني اقتصاديًّا وماليًّا واجتماعيًّا، وما زال في دائرة الخطر على كيانه ونظامه الدستوري. فنناشد السادة النوّاب القيام سريعًا بواجبهم وانتخاب رئيس جديد لأنّ الشغور الرئاسي ليس وكأنّه قدرٌ في لبنان، بل هو مؤامرة عليه بما يشكّل في هذا الشرق من خصوصيّةٍ حضاريّةٍ يسعى البعض إلى نقضها. والدولة بلا رئيس كجسم بلا رأس. والجسم لا يحتمل أكثر من رأس.
7.فيا أيّها السادة النوّاب ورؤساء الأحزاب والكتل النيابيّة، أنتم تعرفون منذ ستّ سنواتٍ موعد انتخاب رئيس جديد للدولة، وقد كان لكم المديد من الوقت وبخاصّة في الشهرين الأخيرَيْن الدستوريَّيْن لتتحاوروا وتتناقشوا وتتفاوضوا حول اختيار مرشحٍ جدير للرئاسة وانتخابه. فهل يعقل أن تنعقد ثلاث جلسات انتخابيّة فقط في الشهرَيْن الحاسمَيْن تنتهي كلّها بتعطيل النصاب؟ ليس اليومَ، وقد انتهت المهلة الدستوريّة، وقت الحوار بل وقت انتخاب الرئيس الجديد. ويتمّ الانتخاب لا بالاتفاق المسبق على الاسم لأنّه غير ممكن، بل بجلسات الاقتراع المتتالية والمصحوبة بالتشاور وبالمحافظة الدائمة على النصاب. أتدركون جسامة مسؤوليّتكم عن التسبّب بالشغورَيْن: شغور رئاسة الجمهوريّة، وشغور حكومة كاملة الصلاحيّات، وكلاهما يشكّلان السلطة الإجرائيّة في الدولة؟ أتدركون أنّكم بهذا تفاقمون من دون سقف الأزمة السياسيّة والأزمات الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والاجتماعيّة؟ كيف ستواجهون ثورة شعبنا الجائع وغضبه؟ فلا تظنّوا أنّ دولة لبنان "بتمشي" بدون رئيس!
8.ثمّ لماذا هذا التشكيك في الشخصيّات القادرة على تبوُّؤ هذا المنصب وتصوير الواقع كأن ليس بين كلّ موارنة لبنان شخصيّة صالحة لتسلّم الرئاسة وإنقاذ البلاد. فكلّما طُرح اسمٌ، ينهال الطعنُ بقدراته أكان مدنيًّا أو عسكريًّا، ديبلوماسيًّا أو مفكِّرًا استراتيجيًّا، تقنيًّا أو سياسيًّا، من الجيل الجديد أو من الجيل المخضرم. هذا أمرٌ مدبَّر ومخطَّطٌ له، إما لإطالة الشغور الرئاسي، وإما لفرض رئيسٍ من خارج الثوابت الوطنيّة يكون خاضعًا للمشاريع المتجوِّلة في المنطقة. لا أيّها السادة، الطريقُ إلى قصر بعبدا يمرّ باحترام الدستور والشرعيّة وعدم تجييرهما لهذا المحور أو ذاك، وباختيار رئيس يتمتّع بتجربة إدارة الشأن العامِّ ومعرفة الإدارة اللبنانيّة والمؤسّسات، وبالقدرة على جمع المواطنين حول مبادئ لبنانية والولاء للبنان فقط، وباستعادة علاقات لبنان مع أصدقائه وتوسيعها. فالرئاسةُ ليست هوايةً ولا دورةً تدريبيّة بل ريادة في الحكم وقيادة الشعوب.
9.نصلّي إلى الله كي يمسّ ضمائر النوّاب والكتل النيابيّة، فيبادروا للحال إلى عقد جلسات المجلس النيابي الانتخابي وفق الأصول الديمقراطيّة، وينتخبوا رئيسًا للدولة تنتظم معه المؤسّسات الدستوريّة الأخرى. فالله سميع مجيب! له المجد والشكر إلى الأبد، آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.