1.إنجيل الوزنات دعوة إلى المحاسبة: نحن نحاسب ذواتنا بفحص الضمير اليومي؛ الجماعات الكنسيّة تحاسب نفسها ومسؤوليها بالمجامع والرياضات الروحيّة؛ الشعب يحاسب نوّابه بالانتخابات؛ مجلس النواب يحاسب الحكومة ويسائلها؛ الرئيس يحاسب الجميع على الأمانة للدستور والخير العام. والمسيح الفادي يحاسب جميع الناس والشعوب على نعم الخلق والفداء والتقديس.
2.يدخل هذا النصّ الإنجيلي في إطار زمن الصليب المنفتح على نهاية حياتنا الشخصيّة، ونهاية العالم؛ فعلى الدينونة الشخصيّة إمّا للخلاص الأبديّ، وإمّا للهلاك. الوزنات التي يوزّعها الله على جميع الناس هي الوسيلة لبلوغ الخلاص، كالذي أعطي خمس وزنات وسلّمها عشرة، والذي أعطي اثنتان وسلّمهما أربع؛ أمّا الذي عطّل وزنته الواحدة، فكان مصيره الهلاك الأبديّ. في زمن الصليب، ينجلي لاهوت الانتظار بحيث إنّ الموت هو موعد اللقاء مع الله لتأدية الحساب الأخير، وعلى أساسه يكون إمّا الخلاص الأبديّ وإمّا الهلاك. ولهذا قال الفيلسوف الألماني Martin Heidegger: "الموت هو المستقبل بامتياز".
3.نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، ونصلّي فيها لراحة نفس عزيزنا المرحوم المونسنيور توفيق بو هدير الذي غادرنا على حين غفلة منذ سنة إلى بيت الآب في السماء، تاركًا جرحًا بليغًا في قلوبنا: قلب والدته وشقيقيه وعائلتيهما، وأعمامه وعمّاته، وخالاته وعائلاتهنّ وسائر أنسبائه، وفي قلوبنا وقلوب الشبيبة وكلّ الذين عرفوه في لبنان والخارج. فكانت المأساة كبيرة لكن الرجاء كان أكبر، لكونه بلغ السماء قبلنا وكأنّنا في سباق معه إليها! لقد غاب حسّيًّا، لكنّه حاضر معنا بروحه وصلاته وتشفّعه وابتسامته الدائمة. ويبقى ذكره حيًّا على الأخصّ في مكتب رعويّة الشبيبة في الدائرة البطريركيّة، وقد أعطاه بعدًا داخليًّا في لبنان والشرق الأوسط وبلدان الانتشار. وبفضل سخاء قلبه وعطاءاته، كان الله يغدق عليه الوزنة تلو الوزنة مثل ذاك الذي كانت له العشر وزنات.
4.يظهر من القصّة الإنجيليّة أنّ الوزنات هي مواهب الله وعطاياه المتنوّعة، وتنطبق على المجتمع والكنيسة والسلطة السياسيّة.
فالمجتمع البشري جماعة أشخاص مرتبطين عضويًّا بمبدأ الوحدة على أساس من الشركة والتقاسم. نعني بالشركة العلاقة الشخصيّة، الإنسانيّة والروحيّة والاجتماعيّة، التي تحاك بين أعضاء المجتمع الواحد. ونعني بالتقاسم تبادل خيرات الأرض الروحيّة والماديّة والثقافيّة. لا أحد يعيش لنفسه، ولا أحد يحتفظ بما يملك لنفسه. وبسبب الشركة والتقاسم، يقام كلّ إنسان وريثًا يُعطى من الله مواهب وإمكانات تغني هويّته، وتوجب عليه تثميرها وإنماءها، وتوظيفها في خدمة الغير والجماعة (الكنيسة في عالم اليوم، 25، التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، 1880).
5.الكنيسة أيضًا جماعة منظّمة عضويًّا وتراتبيًّا مثل الجسد البشريّ. فهي جسد المسيح السرّي، على ما يقول بولس الرسول: «أنتم جسد المسيح وأعضاؤه، كلّ واحد في مكانه. إنّ الله وضع في كنيسته الرسل أوّلًا، وبعدهم مواهب الشفاء والمعاونين والمدبّرين وأنواع الألسنة» (1 كو 12: 27-28). ويتكلّم عن تنوّع المواهب التي يوزّعها الروح القدس: «أنواع المواهب والخدمات موجودة: فكلّ واحد يعطى من الروح ما ينفعه: واحد يعطى كلام الحكمة، وآخر النبوءة، وآخر تمييز الأرواح، وآخر أنواع الألسنة، وآخر ترجمة الألسنة، هذه جميعها إنّما يفعلها الروح الواحد، ويقسّمها على كلّ أحد كما يشاء» (1 كو 12: 4-11).