كنتُ طفلة صغيرة هادئة خجولة ذات أحلام كبيرة شجاعة، تربّيتُ على وجوب أن تتعلّم الفتاة وتجتهد وتحصل على أعلى الشهادات كسلاح لها لتحقيق أحلامها الكبيرة وكيلا تصبح ضحيّة المجتمع الذي تعيش فيه. نحن في حرب دائمة لا تنتهي، حرب المجتمع، حرب فكريّة إرهابيّة، حيث ليس للفتاة صوت أو حقّ.
كنتُ شغوفة بدراستي كثيرًا وطالبة متفوّقة وحياتي طبيعية إلى حدٍّ ما حتى أتى اليوم الذي غيّر كل شيء، يوم النزوح في العام 2014 إلى مكانٍ ومستقبل مجهولَيْن، هربًا من مجرمين يسمّون أنفسهم بالدولة الإسلاميّة في العراق والشام، مُعْطِين ذواتهم الحقّ والحرّية الكاملة للقتل والسلب وفعل كل ما هو إجرامي بحقّ الإنسانيّة، باسم الدين والله.
هربنا إلى قرى أجدادنا من قرى دهوك في إقليم كردستان العراق. عشتُ هناك ثلاث سنوات، حيث أكملتُ دراستي الإعداديّة بصعوبة شديدة وبمعدّل ضعيف سببه الوضع النفسي وحالة النزوح الصعبة التي كنتُ فيها آنذاك. لكن مع ذلك، لم أفقد أملي بتحقيق أحلامي وذاتي يومًا ما لأنني كنت أؤمن بأن لكل حدث أو صعوبة في الحياة درسًا قيّمًا نتعلّمه لنصبح أقوى.
وأخيرًا، قُبِلْتُ في الجامعة الكاثوليكيّة في أربيل بمنحة دراسيّة مخصّصة للأفراد الذين كانوا ضحيّة احتلال تنظيم داعش لمناطقهم. دخلتُ العالم الذي كان فرصة لتطوير ذاتي. انتقلتُ بعيدًا عن عائلتي في مدينة لا أعرف فيها أحدًا، وبداخلي شغف قويّ وإرادة حديديّة لتطوير نفسي وقدراتي.
لقد ألهمتني صعوبة العيش بعيدًا عن الأهل لأبذل قصارى جهدي بهدف تحقيق السبب الحقيقي الذي أتى بي إلى هنا، وهو جعلهم فخورين بهذه الفتاة الصغيرة التي أصبحت شابّة قويّة من المتفوّقين في دراستها الجامعيّة على الرغم من كل التحدّيات التي عاشتها في صمت، تعتمد على نفسها في كل أمورها لتصبح سندًا لهم في المستقبل. وها أنا الآن بعد خمس سنوات، تخرّجت بتقييم ممتاز وأنا من الأوائل. لم أتعلّم عن المحاسبة فحسب، بل تعلّمت فيها عن العالم الحقيقي والتحدّيات. أنا فخورة بكل الصعوبات التي واجهتني في حياتي، وأخطّط للدراسات العليا في المستقبل القريب بمشيئة الربّ.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.