وكان المكرّم البطريرك الكبير إسطفان الدويهي الذي رسم خريطة الطريق إلى الاستقلال ماديًّا وروحيًّا وتاريخيًّا، وإلى بناء الدولة العتيدة. لقد كان دوره محوريًّا في مسيرة الموارنة بخاصّة واللبنانيّين بعامّة.
وخلفه البطريرك يوسف إسطفان الذي فتح في عين ورقة تاريخ التربية في لبنان، كما فتح أسلافه تاريخ استقلاله. وقد لُقّبت عين ورقة بـ«أمّ المعاهد في لبنان»، لما أدّت من دور في الحقول الثلاثة: الديني والوطني والثقافي.
وجاء البطريرك يوسف ضرغام الخازن الذي التأم في عهده المجمع اللبناني الشهير في دير سيّدة اللويزة في زوق مصبح 1736 الذي نظّم أوضاع الكنيسة المارونيّة في كلّ جوانبها، فظلّ مرجعها الدائم.
ثمّ جاء البطريرك يوسف حبيش، فامتاز بحسٍّ عالٍ من المسؤوليّة في الأمور الكنسيّة التنظيميّة والروحيّة، وفي الشؤون التربويّة الاجتماعيّة، وفي المجالات السياسيّة والوطنيّة. وفي عهده كانت عاميّة أنطلياس.
وخلفه البطريرك بولس مسعد صاحب الدورَيْن الكنسيّ والوطنيّ. وكان دوره المتّصف بالحكمة والصبر تجاه ثورة الفلاحين وحركة يوسف بك كرم والحرب الأهليّة سنة 1860 التي تبعها إقرار نظام لبنان الأساسيّ.
وجاء أخيرًا البطريرك الياس الحويّك الملقّب بـ«عرّاب لبنان الكبير» الذي له الفضل في إعادة الأقضية الأربعة والمدن الساحليّة التي كان قد سلخها عنه الحكم العثمانيّ. وتميّز البطريرك الحويّك بدعوته الدائمة إلى العيش المشترك بين جميع اللبنانيّين، وتعزيز انفتاح الموارنة على محيطهم العربي، وباهتمامه بالموارنة المنتشرين في العالم، وعُرف بنداءاته العديدة للتضامن الاجتماعي ومقاومة أخطار الحرب العالميّة الأولى والمجاعة (راجع كلّ ما جاء عن البطاركة في مقال الدكتور أنطوان نجيم: «مسيرة الكنيسة المارونيّة إلى لبنان الكبير» في كتاب: لبنان الكبير، المئويّة الأولى (للمركز الماروني للتوثيق والأبحاث)، ص 24-76).
وهكذا وضع الأساس لفلسفة لبنان السياسيّة بقوله: الانتماء الى لبنان يكون بالمواطنة لا عبر الدين، وهكذا فصل بين الدين والدولة منذ 1920.
7.كلّ البطاركة الذين توالوا على كرسي أنطاكية وسائر المشرق بعد البطريرك المكرّم الياس الحويّك إلى اليوم، واصلوا السهر على حماية لبنان في جوهر كيانه ودعوته التاريخيّة ورسالته، وباتوا لشعب لبنان علامة رجاء وصمود، وبيت ملاذ.
من هذا المنطلق، نحن نواصل رفع صوتهم من أجل قيام دولة لبنان على أسسها الدستوريّة والميثاقيّة، المؤهلة لتأمين خير جميع اللبنانيّين وكلّ لبناني. واليوم نرفع معكم، أيّها الحاضرون والمشاهدون والسامعون، الصوت عاليًا مطالبين بتشكيل حكومة جديدة قادرة، وبانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة قبل نهاية عهد فخامة الرئيس أي قبل الحادي والثلاثين من تشرين الأوّل المقبل، يكون رئيسًا متمكّنًا من كلّ المواصفات التي يُجْمِعُ عليها كلّ اللبنانيّين. ونطالب بحماية القضاء من كلّ تسييس أو مساومة او ارتهانٍ للنافذين ومن أيّ قرار يمسّ بمبادئه الجوهريّة، ونصب أعيننا حماية التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ. هذه الحرّية الكبرى في التاريخ.
8.إنّنا نضع هذه الأمنيات في عهدة أمّنا مريم العذراء سيّدة إيليج، متّكلين على صلوات بطاركتنا القديسين، وبحقّ دماء شهدائنا الأبطال. فالله القدير يستجيب صلواتنا ويسمع صراخ شعبنا. له المجد والشكر، الآن وإلى الأبد، آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.