بيروت, الأربعاء 21 سبتمبر، 2022
النبي يونان هو أحد أنبياء العهد القديم، وكشفت سيرته عن بحث الله عن كلّ نفس بشريّة لتحقيق خلاصها برجوعها إليه. اسم يونان من أصل عبري، ويعني حمامة. هو ابن أمتاي، وتحدّر من مدينة جت حافر في سبط زبولون (2 مل 14: 25). أوحى الربّ إلى النبي يونان بالذهاب إلى نينوى، والمناداة بأن مصيرها الهلاك. وكانت نينوى عاصمة كبيرة تضمّ أكثر من 120000 نسمة لكنها كانت جاهلة وخاطئة. أخذ يونان يفكّر في نفسه، قائلًا: «لو كان الله يشاء هلاكهم، لما طلبني لإنذارهم، وأخشى أن أمضي إليهم وأبلّغهم هذا الإنذار، فيتوبوا، ولا يهلكهم، وأكون كاذبًا، وعندها لا يعود أحد يصدّقني فيما بعد، وربما أُقتل لأني نقلت الكذب عن الله. لأقم وأهرب». وهكذا صنع، كما ظنّ أنّ الأمر سينتهي هنا إلّا أنّ رغبة الله ومشيئته تفوقان التصوّر.
هرب يونان من أمام وجه الله، ونزل في سفينة نحو ترشيش في الاتجاه المضادّ لنينوى، ونسي أن الله موجود هناك أيضًا. أرسل الربّ حينها ريحًا عاصفة على البحر حتى كادت السفينة تغرق. عرف البحّارة أن تلك العاصفة حدثت نتيجة عصيان يونان الذي أخبرهم أنّه هارب ومخالف لأمر الربّ. كما طلب أن يلقوه في البحر، مفضّلًا الموت وعدم الاعتذار من ربّه والإقرار بخطيئته. قاموا عندئذٍ ورموه في البحر، وسكنت العاصفة ثمّ مجد من كان على السفينة إله يونان وسجدوا له. وأعدّ الله حوتًا عظيمًا من أجل ابتلاع يونان، وظلّ في جوفه ثلاثة أيّام وثلاث ليالٍ، ووجد في خلالها فسحة تأمّليّة وراح يفكّر في مصيره. كما كان لا بدّ من أن يتحاور مع الله، فراح يصلّي ويتضرّع إليه.
عاد يونان إلى إيمانه في بطن الحوت، وآمن بأنّ صلاته ستُستجاب وسيخرج من ضيقه، وقال للربّ: «أعود أنظر إلى هيكل قدسك» (يون 2: 4). ونذر يونان أنّه إذا خرج من جوف الحوت، فسيذهب إلى نينوى لأنّه قال للربّ: «أمّا أنا، فبصوت الحمد أذبح لك، وأوفي بما نذرته» (يون 9: 2). ولمّا قذفه الحوت إلى البرّ، ذهب إلى نينوى، مجبرًا. أوصل الرسالة إلى أهل نينوى، فتابوا وصاموا وصلّوا. وقبل الربّ توبتهم، ولم يُهلك المدينة. وقال عنهم المسيح إنهم سيقومون في يوم الدين ويدينون هذا الجيل لأنهم تابوا بمناداة يونان (مت 12: 41). ويضيف إنجيل لوقا الرسول: «كما كان يونان آية لأهل نينوى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضًا لهذا الجيل» (لو 11: 30).
في النهاية، تبقى قصّة النبي يونان تجسيدًا لصراع الذات، ومن أراد السير في طريق الإله، ينبغي أن ينكر ذاته ولا يضع أمامه غير تحقيق إرادة الله وحدها.