بيروت, الأربعاء 14 سبتمبر، 2022
ينقلنا عيد ارتفاع الصليب المقدّس إلى مشهد صلب يسوع المسيح وموته على جبل الجلجثة. بعد هذه الحادثة، قام الرومان بعمليّة إخفاء آثار الصليب المقدّس، فرموه في حفرة عميقة كانت قريبة من جبل الجلجثة، وبنوا مكانه معبدًا للإله الروماني «فينوس» بهدف منع المسيحيّين الأوائل من الحضور إلى المكان وتكريم الصليب المقدّس. في العام 326، حضرت القديسة الإمبراطورة هيلانة إلى أورشليم من أجل البحث عن خشبة الصليب المقدّس. ولمّا اكتشفت مكانه، أمرت على الحال بحفره، فعثرت على ثلاثة صلبان، لكنها لم تدرك أيَّ واحد منها صليب المسيح.
لم يكن حينها أمام البطريرك مكاريوس إلّا أن يقترح وضع واحد تلو الآخر على جثّة أحد الموتى، ولمّا وضع الصليب الثالث، عادت الروح إلى الميت. بعدها، قاموا أيضًا بوضع الصليب على امرأة مريضة، فشُفيت على الفور. عندئذٍ، رفعت القديسة هيلانة الصليب المقدّس على جبل الجلجثة، وبنت فوقه كنيسة القيامة. وانطلق بعدها الاحتفال بعيد ارتفاع الصليب، في 14 سبتمبر/أيلول من العام 335، من المكان الذي صُلِبَ فيه المسيح لأنّه يُعتبر محور الكون كلّه، ومنه جاء أيضًا خلاص العالم بأسره. واجتمع في ذاك التاريخ عددٌ كبير من المؤمنين والحجّاج والرهبان والأساقفة في أورشليم من أجل تكريس تلك الكنيسة العظيمة.
ويُذكر أنّ الفرس اجتاحوا أورشليم في العام 614، ودمّروها وأشعلوا فيها النيران، ووضعوا يدهم على خشبة الصليب، لكن الإمبراطور هرقل واجههم واسترجع المدينة المقدّسة من بين أيديهم، كما أجبرهم على إعادة صليب المسيح. وبعد مرور سنة، جاء الإمبراطور بالذخيرة إلى أورشليم ليركّز عود الصليب في مكانه أي على جبل الجلجثة. قام الشعب لملاقاته بالتهليل والفرح وحمل المشاعل، وكان البطريرك يسير معهم وفي مقدّمتهم.
أمّا عيد الصليب الذي نحتفل به، نحن أبناء الكنيسة اليوم، فهو لا يُعتبر مجرّد تكرار لتقليد تاريخيّ كنسيّ سائد منذ القدم، بل مشاركتنا الحيّة بالإيمان الواحد الذي يجعلنا نلتقي بالإخوة الذين سبقونا وأوصلوا إلينا معنى إكرام الصليب المقدّس وتمجيده. ويدعونا عيد الصليب إلى تجسيد الجوهر الحقيقيّ لمعناه في وجداننا، والذي يتجلّى حين ندرك أنّه ليس علامة ضعف وانكسار، إنّما علامة قوّة وانتصار الفرح على اليأس، ونحن نشهد مع المسيح من أعلى الصليب على سحق الموت وبلوغ مجد القيامة.