بيروت, الخميس 1 سبتمبر، 2022
أبصر القديس سمعان العمودي النور في قرية سيسان، الواقعة بين سوريا وقيليقية، في الربع الأخير من القرن الرابع. ترعرع في حلب، ويُعَدُّ أوّل ناسك عربيّ عاش تجربة التنسّك على عمود حجري. وانتشرت بعده هذه الطريقة في التنسّك في كل مناطق الشمال السوري حتّى بلغت حدود أوروبا.
انطلق سمعان في مسيرته الرهبانيّة، وفتح عينيه في الدير على ركائز الحياة الرهبانيّة. كما تجاوز سواه من الرهبان في الطاعة والتجرّد. من ثمّ، دفع واقع حياته النسكيّة القاسية برئيس الدير إلى إبعاده بأمر الطاعة عن الرهبان، خوفًا من وقوعهم في تجارب التشتّت والضعف، بسبب ما يشاهدونه من صرامة في طريقة تعبّد سمعان للربّ الإله. ترك الدير واستقرّ في تيلانيسون، وهي قريبة من أنطاكية. وجد في تلك المنطقة كوخًا مهجورًا عاش فيه حياة نسكيّة دامت ثلاث سنوات.
بعد تلك المحطّة، انتقل من تيلانيسون إلى قمّة جبل، بنى عليها صومعة متواضعة، جعلها مكشوفة من دون سقف، وانصرف إلى عيش صومه وصلواته، غير مهتمّ بتقلّبات الطقس وأحواله. ولمّا ذاع صيته، راح الناس يتوافدون إليه في منسكته. عندئذٍ، بدأ هذا القديس يشعر بالخوف من إكرامهم، خشية أن يخسر بذلك الفعل روح الصمت وما سعى إلى بنائه من مملكة روحيّة داخليّة. قرّر أمام هذا الواقع الفرار إلى مكان بعيد في الجبال، واتّخذ لنفسه قاعدة عمود صعد عليها وأقام فيها مصلّيًا خاشعًا. لكن الجموع عرفت بمكانه الجديد، فتهافتت إليه من كلّ صوب. حينئذٍ، رفع العمود قليلًا حتّى بلغ علوّه 40 ذراعًا. أمضى القديس سمعان أكثر من 30 سنة من عمره على العمود في الصلاة والتعبّد، وكان كلّما ارتفع صوب ربّه أكثر، زاد في النورانيّة والتحليق صوب المجد الأزلي.
انتقل القديس سمعان إلى الحياة الأبديّة بينما كان جاثيًا يصلّي على العمود في القرن الخامس. ويُذكر أن 3 أيّام قد مرّت قبل أن يكتشف أحد وفاته. ظنّوه خاشعًا وغارقًا في بحر صلاته. لكن لمّا صعدوا إليه ليسألوه عن سبب صمته، وجدوه ميتًا. ويُرْوَى أنّ رائحة الطيب ظلّت تفوح من عموده لمدّة طويلة من الزمن. ونُقِلَ جثمانه إلى أنطاكية ووُضِعَ في كنيسة القديس كاسيانوس، ومن ثمّ بُنِيَت كنيسة خصّيصًا له، وعُرفت بكنيسة التوبة. صنع الربّ الكثير من العجائب بعد موته، تجاوزت تلك التي قام بها في حياته.