النار الآكلة والنار الوديعة
بدأ البابا فرنسيس عظته انطلاقًا من قول يسوع في إنجيل لوقا: «جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ نارًا، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت!» (لو 12: 49). وقال إنّ النار المقصودة هي روح الله. فالله نار آكلة وحبّ يطهّر كلّ شيء ويجدّده ويجعله يتجلّى. وأضاف البابا أنّ هناك أيضًا «نار الشوي» التي نراها في إنجيل يوحنّا في ظهور يسوع الثالث والأخير بعد القيامة (يو 21: 9-14). فتلك النار أشعلها يسوع ومع أنّها نار وديعة ومخفيّة لكنّها تدوم طويلًا وتساهم في الطهي.
واعتبر الأب الأقدس أنّه من الجيّد التأمّل معًا انطلاقًا من صورة النار وأنّ الربّ يدعونا من جديد لاتّباعه في رسالة نار، شبيهة برسالة النبي إيليّا. وشرح البابا أنّ الكرادلة مدعوّون لرسالة خاصّة يعطيهم فيها يسوع شعلة مُضاءة ويغدق عليهم شهامته وحبّه اللامحدود وغير المشروط. هذه النار حرّكت بولس الرسول ومرسلين كُثر عبر التاريخ، كما قال.
أمّا «نار الشوي»، فهي تشبه الله في وداعتها وأمانتها وقربها وحنانها، أردف البابا. وهذه النار تتّقد بشكل خاصّ في الصمت خلال السجود للقربان المقدّس. وأعطى الأب الأقدس مثل القدّيس شارل دو فوكو والمكرّسين العلمانيّين والكهنة الذين يعيشون كهذه النار باستمراريّة من دون صخب.
وفسّر البابا أنّ على الكاردينال أن يحبّ الكنيسة دائمًا بهذه النار الروحيّة، عبر الاهتمام بالمسائل الكبرى كما بتلك الصغرى وفي لقاء كبار هذا العالم وصغاره. وأعطى البابا مثل الكاردينال كازارولي الذي كان يهتمّ بمسائل ديبلوماسيّة كبرى خلال الحرب البادرة لكنه في الوقت عينه يزور السجناء في روما. كما ذكر الكاردينال فان توان الذي اهتمّ بخلاص نفس حارس السجن الذي كان مرميًّا فيه.
وطلب الحبر الأعظم أن يلفتوا أنظارهم إلى يسوع الذي وحده يعرف سرّ الشهامة المتواضعة، وهي القوّة المتواضعة والعالميّة المنتبهة للتفاصيل. هذا هو سرّ نار الله التي تنزل مُضيئة من السماء، وتطهو برويّة طعام العائلات الفقيرة والنازحين والمشرّدين. وخلُص البابا إلى القول إنّ يسوع يريد اليوم أن يلقي هذه النار على الأرض، وهو يدعونا باسمنا ويسألنا: «هل أستطيع الاعتماد عليك؟»