في برّيّة شِهيت بصحراء وادي النطرون، التجأ إلى أحد الأديرة، وحَلّ على رهبانه ضيفًا. وهو كان قد توجّه إلى هناك بهدف الاختباء، بعدما هرب من محاولة للقبض عليه إثر قيامه بعمليّة سطو وسرقة. تأثر بمدى تفاني رهبان الدير في محبّة الله، وأسلوب الحياة الشديد الزهد والاكتفاء بالزاد الروحي. لقد لفت كُلّ ذلك انتباه الإنسان الداخلي في موسى، ذلك الإنسان الدفين العالق في سجن العادات الجسديّة البغيضة، الجالبة للطّمع والعنف.
بمرور الوقت، لم يشأ موسى أن يترك الدير، ولا أن يعود إلى سيرته القديمة، ولا أن يحتفظ بأيّ شيء استحوذ عليه عن طريق السرقة، برغم منازعة جسده له، وقرّر الانضمام إلى الأسرة الرهبانيّة في دير صحراء شِهيت.
وإذ أشرق نور الربّ على موسى، ملأ قلبه ضياءً وإحساسًا ببشاعة الخطيئة، فَكَرهها وندم على ما فعله من جرائم وآثام لا تُحصى. وتاب عنها، فاعترف علانيةً أمام المؤمنين في الكنيسة بكلّ أخطائه القديمة وأعلن ندمًا صادقًا. وكان «أبو مقار» يشاهد في خلال الاعتراف لوحًا عليه كتابة سوداء. وكلّما اعترف موسى بخطيئة، مسحها الملاك. وعندما أنهى الاعتراف، وجد أبو مقار اللوح أبيض ناصعًا، ثمّ عمَّدهُ الأنبا إيسيذوروس، بعد التأكّد من صدق توبته.
ورغم صعوبة تأقلم شخص اعتاد الاستجابة لمطالب شهواته بلا قيود، اختار أن يعيش الحياة الرهبانيّة المتميّزة بضبط الحواس لصالح سيادة الروح. وقد ساعده عشقه لهذه الحياة الراقية وشوقه لأن يعيشها في أن يستمرّ فيها بلا يأس، رغم الفشل المتكرّر. وكان يجد صعوبة في الأصوام وقلّة الطعام ونوعيّته.
حياة موسى الديريّة
ذات مرّة، حدث هجوم على الدير شنّه لصوص. وقد استطاع الراهب موسى الذي كان لا يزال قويًّا التغلّب عليهم وسحبهم نحو كنيسة الدير في أثناء بدء الصلاة. عفا رهبان الدير عن اللصوص، فتأثّر هؤلاء بوداعتهم وقدرتهم على الغفران. وطالب الرهبان موسى بأن يمتنع عن إيذائهم أو التعامل معهم في شكل عنيف، عملًا بمبادئ الحبّ والوداعة، فآمنوا بالمسيح وانضمّوا إلى الأسرة الرهبانيّة.