محبسة عنّايا... محبسة القديسَيْن بطرس وبولس، درب قداسة الحبساء...
هناك خشعت القلوب ساجدة أمام ربّها لتلتقيه في عزلة مباركة، وترتقي إلى معاينة مجده. فيها عاش القديس شربل مخلوف، ومنها شعّت فضائله، فأشعل مصابيحنا رجاءً في واقع تكثر فيه التجارب ليثبت أن قوّة الله تبقى حصن المؤمنين، مهما اشتدّت الصعاب.
ولادة محبسة القديسَيْن بطرس وبولس-عنّايا
في العام 1798، بدأ يوسف بو رميا وداود عيسى خليفة (من إهمج) بناء محبسة القديسَيْن بطرس وبولس التابعة لدير مار مارون- عنّايا على تلّة رويسة عنّايا التي يبلغ ارتفاعها 1350 مترًا عن سطح البحر، بهدف عيش النسك والزهد، وأنهيا أعمال بنائها في العام 1811.
وحملت المحبسة اسم دير «تجلّي الربّ»، وتألّفت من 6 غرف وكنيسة على اسم القديسَيْن بطرس وبولس، يفصلهما رواق ينتهي بغرفة للحطب.
من ثمّ، حوّل البطريرك الماروني يوحنا الحلو في 9 أغسطس/آب 1812 اسم الدير من دير التجلّي إلى دير مار بطرس وبولس.
سكن يوسف وداود الدير الذي شيّداه وجمعا فيه بعض الشبّان من إهمج وألبساهم الزيّ الرهباني، وأصبحا راهبَيْن منفردَيْن غير منضويَيْن في جماعة رهبانيّة، فدُعِيَ الأوّل بالأخ يوسف والثاني بالأخ بطرس، وارتقى الأخير إلى الدرجة الكهنوتيّة.
من دير إلى محبسة
طلب يوسف وداود من الرئيس العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة آنذاك الأب إغناطيوس بليبل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1814 إرسال كاهن من الرهبانيّة ليكون راعيًا ومرشدًا لأهالي إهمج الذين يقطنون قرب هذا الدير، وفوّضا إليه حقّ التصرّف بهذا المبنى والأرض التابعة له بموجب مرسوم وجّهه البطريرك يوحنا الحلو إلى الأب العام، ودخلا الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، وظلّ الأخ يوسف في دير مار مارون-عنّايا حتى وفاته في 7 مايو/أيّار 1853.
في العام 1820، قرّرت الرهبانيّة تأسيس دير جديد في ذلك الموضع يحمل اسم مار مارون، فلم يَرُقْ موقع دير مار بطرس وبولس للأب بليبل لوعورة أرضه وتعرّضه للعواصف والصقيع، فاختار التلّة التي بُنِيَ عليها دير مار مارون حاليًّا.
أمّا دير القديسَيْن بطرس وبولس، فتحوّل إلى محبسة في العام 1828.
حبساء عنّايا الأبرار
كان الأب إليشاع كسّاب الحرديني أوّل حبيس دخل المحبسة من أبناء الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، وهو شقيق القديس نعمة الله الحرديني.
وسكن محبسة مار بطرس وبولس حبساء أبرار طبعوها بحبّهم اللامتناهي لله، وهم: الأب يوحنا العاقوري، والأب يواكيم الزوقي، والأب ليباوس الراماتي، والأب مكاريوس صوما المشمشاني، والأب أنطونيوس الغلبوني، والأب أنطونيوس الحصاراتي، والأخ بطرس المشمشاني، والأخ مخايل التنّوري، والأب أنطونيوس قزحيّا، والأب الياس أبي رميا الإهمجي، وهو آخر حبيس سكن هذه المحبسة، إذ بعد العام 1950، انتشرت عجائب قديس عنّايا وتحوّلت المحبسة إلى مزار عالمي.
أمّا القديس شربل مخلوف (8/5/1828-24/12/1898)، فدخل المحبسة في 15 فبراير/شباط 1875 أي بعد وفاة الأب أليشاع الحرديني ومات فيها.
من درب المشاة المسمّاة «طريق القديسين»، ينطلق الزائر صعودًا إلى المحبسة حيث يستقبله تمثال مار شربل، وتمثال آخر لمريم العذراء، وتحيّيه أشجار الصنوبر والسنديان، وتدعوه اللافتات المغروسة على هذا الطريق إلى الغوص أكثر في العمق.
تحتوي المحبسة على الكنيسة وغرف عُرِضَت فيها أوانٍ كنسيّة وعدّة الحقل التي استعملها الحبساء في الماضي.
وتضمّ قلّاية مار شربل بساطًا من المسح إذ كان يفترش الأرض، وجذعًا من السنديان يُلقي رأسه عليه في الليل. وفي غرفة أخرى، يجد الزائر كتبًا روحيّة كان مار شربل يقرأها ويمضي لياليه بالصلاة أمام القربان الأقدس وصورة لقلب مريم الطاهر، كانت تقدمة من القديس نعمة الله الحرديني إلى أخيه الحبيس إليشاع.
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
محبسة العجائب... مدرسة الحبساء الأتقياء المنحنية على تلّة صامتة... كأنّ الله اختار هذا المكان المقدّس ليكون جبلَ تجلٍّ جديدًا لأن الأسماء التي حملتها هذه التلّة وجوارها مستوحاة من الأراضي المقدّسة، مثل قمّة عنّايا «جبل التجلّي»، وطورزيا «طورزيت جبل الزيتون»، و«صخرة قيافا» إلى الشمال، ومعبد «يواكيم وحنّة» إلى الغرب.
وتبقى محبسة عنّايا شاهدة على قلوب مشتعلة بالإيمان اختارت العزلة كي تلتقي إلهها في صمت وخشوع لتلد أبرارًا وقديسين عبروا القارات بسيرة حياتهم الناضحة بالحبّ الإلهي وتجلّياته.
مديرة التحرير السابقة في «آسي مينا»، صحافيّة لبنانيّة ملتزمة. سعيت دومًا في مسيرتي المهنيّة إلى حمل شعلة البشارة باسم يسوع المسيح وإيصال كلمته إلى أقاصي الأرض.
الأكثر قراءة
1
2
3
4
5
رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته
دير مار مارون-عنّايا… عبق القداسة وفيض ينبوع الشفاءات…
فوق تلك التلّة المباركة في جبيل، يقع الدير الماروني الناضح بالإيمان الذي يحتضن ضريح القديس شربل مخلوف، على ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر.
وتقع محبسة القديسين بطرس وبولس على الهضبة المقابلة للدير والبالغ ارتفاعها 1350 مترًا.