بيروت, الأحد 14 أغسطس، 2022
يكشف لنا تذكار انتقال مريم العذراء إلى السماء بالنفس والجسد سرّ عظمة الحبّ الإلهيّ اللامتناهي. فمريم البتول هي تجسيد لعمل الله الثالوثي: إنّها ابنة الآب ووالدة الابن وعروس الروح القدس. ولا يمكننا فهم هذا السرّ المقدّس بالعقل المجرّد، إنّما نبلغه عن طريق الإيمان وحده. ويشكّل هذا المعتقد جزءًا من تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة منذ القرون الأولى للمسيحيّة.
ويُروى أنّ العذراء قد توفّيت في حضور جميع الرسل، كما أنّ قبرها لمّا فُتح ووُجِد فارغًا، أجمع الرسل على أنّ جسدها قد رُفِعَ إلى السماء. لم يتضمّن الإنجيل شاهدًا جازمًا حول انتقال مريم العذراء، بل هناك مؤشرات عدّة حول ذلك، منها: مريم هي «ممتلئة نعمة» (لوقا 1: 28). وهذا يعني أنّ هذه النعمة تشمل نعمة عدم التعرّض لفساد القبر. وفساد القبر هو نتيجة الخطيئة والعقاب عليها. ومريم اشتركت في انتصار نسلها يسوع على الخطيئة والشهوة والموت. ومنذ القرون الأولى للمسيحيّة، برزت الكثير من الأخبار حول وفاتها ونقل الملائكة جسدها إلى السماء، وهذا ما نجده مذكورًا في كتابات الآباء، ومنهم القديس يوحنا الدمشقي، وكذلك في لوحات الفنّانين المسيحيين المشهورين.
عمل البابا بيوس الثاني عشر في العام 1946 على تحديد عقيدة انتقال مريم العذراء إلى السماء بنفسها وجسدها من خلال التوقّف عند آراء الأساقفة الكاثوليك في العالم أجمع حول هذه المسألة. رحّب معظم الأساقفة بهذه البادرة البابويّة، وانكبّ اللّاهوتيون على دراسة هذه المسألة باهتمام شديد. وفي الأوّل من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1950، أعلن البابا بيوس الثاني عشر انتقال العذراء مريم بنفسها وجسدها إلى السماء عقيدة إيمانيّة، مؤكدًا أنها «لحقيقة إيمانيّة أوحى الله بها، أنّ مريم والدة الإله الدائمة البتوليّة والمنزّهة عن كل عيب، بعد إتمامها مسيرة حياتها على الأرض، نُقلت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي».
وهكذا يُعَدُّ صعود العذراء مريم من أعظم الأعياد المريميّة، فهي كانت الأولى ممّن تحقّق فيهم عمل الفداء على أكمل وجه. إنها لم تختبر فساد القبر، بل صعدت إلى مجد الآب السماوي حيث يجلس وحيدها عن يمينه، وأناشيد الفردوس تتعالى تكريمًا وتمجيدًا.