بعد مرور أكثر من عام على الحرب، ومع اقتراب زمن المجيء والميلاد، دعا مجلس الأساقفة ورؤساء الكنائس في القدس جميع الرعايا المسيحية في الأراضي المقدسة إلى «إحياء اقتراب ميلاد المسيح وولادته بتعبيرات تعكس الرجاء المسيحي». وشددوا في بيان على أن «يتم ذلك بروح تتسم بالحساسية تجاه المعاناة الشديدة التي لا تزال تعصف بالملايين».
ترأس الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، القداس الاحتفالي بمناسبة عيد العذراء مريم سيدة فلسطين في دير رافات غربيّ القدس. شارك في القدّاس لفيف من الأساقفة والكهنة ومئات المسيحيين الذين جاؤوا من رعايا القدس والجليل، فيما لم يتمكن عدد كبير من مسيحيي الضفة الغربية من الحضور بسبب عدم حصولهم على التصاريح من السلطات الإسرائيلية.
وسط رائحة الموت ودويّ الانفجارات، تعالت أصوات الترانيم ورائحة البخور من جميع كنائس الأراضي المقدسة في الذكرى السنوية الأولى للحرب في غزة. عجّت كنيسة البطريركية اللاتينية في القدس بالمؤمنين والكهنة والرهبان والراهبات الذين شاركوا في ساعة السجود والصلاة أمام القربان. هناك، وضعوا ثقتهم في الإله المتجسّد على هذه الأرض، ملتمسين منه العدل والسلام لسكانها.
دمارٌ وأنينٌ ودويّ عنف... مشهد اعتادته الأراضي المقدسة وتحديدًا غزة يُنهي عامه الأول اليوم من دون حلٍّ يلوح في الأفق. مشهد يُنذر بتصعيد ويحمل في طياته تهديدًا بحربٍ إقليميةٍ ستؤثر على العالم أجمع. على وقع تتابُع النكبات، تتمسّك الكنيسة بالرجاء لتعلن السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تاريخ الشرارة الأولى للحرب المدمِّرة، يوم صلاةٍ وصومٍ وتوبة.
في 31 أغسطس/آب 1924، وفي قرية يرعام «أبو غوش»-القدس، ترأس بطريرك القدس للاتين آنذاك لويجي بارلاسينا قداسًا مهيبًا لتكريس كنيسة العذراء مريم سيّدة تابوت العهد. اليوم، وبعد مئة عام بالتمام ترأس الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للاتين، قداسًا مهيبًا كرّس فيه الهيكل الجديد للكنيسة المرمَّمة بمشاركة لفيفٍ من المطارنة والكهنة والراهبات والمؤمنين.
على الرغم من الحرب المستمرّة في غزة خصوصًا، وتراكم الأزمات والتضييقات في الأراضي المقدّسة عمومًا، حملت الأمانة العامة للشبيبة المسيحية في فلسطين «شبيبة موطن يسوع» أوجاع أبنائها وبناتها وقدّمتها أمام مذبح الربّ، وحافظت قدر المستطاع على نشاطها وحضورها.
كلّ عام، ينظّم المسيحيّون يوم أحد الشعانين في القدس مسيرة احتفالية طويلة من بيت فاجي إلى باب الجديد تستمر حتى ساعات المساء. وبعدها، يصرّ أبناء رعية اللاتين على إقامة القداس السنوي الوحيد المسموح به باللغة العربية، حسب «الستاتيكو» القائم في كنيسة القيامة، على مذبح جبل الجلجثة، مكان صلب المسيح.
بين أزقّة القدس الخالية وعلى وقع صخب الحرب في غزة، انطلق نحو 500 طالبة وطالب مسيحي من مدارس القدس للمشاركة في رياضة درب الصليب على خُطى المسيح. هنا، في المكان ذاته الذي شهد قصة الحبّ العجيب قبل ألفي سنة، تضرّع الأطفال من أجل السلام في غزة وسائر الأراضي المقدسة.
في اليوم الحادي والسبعين من الحرب في الأراضي المقدسة، وقبل أسبوع من حلول عيد الميلاد المجيد، اشتدّت وتيرة العنف لتسفر أمس عن مقتل سيدتَين فلسطينيتَين مسيحيّتَين وإصابة 7 آخرين داخل كنيسة العائلة المقدسة في غزة.
كنيسةٌ فارغة، حجارةٌ باردة، وصوت قناديل معلّقة يحرّكها الهواء. نصف الباب مفتوح لكنّ قلّة من المحليّين استطاعت إليها سبيلًا. إنّها كنيسة القيامة في القدس العائدة إلى سكون ذاك السبت العظيم. فلا أحد عند القبر أو فوق الجلجثة. المكان خالٍ تمامًا كأنّه ينتظر فجر القيامة…