تنتشر يومًا بعد يوم، بشكلٍ سريع جدًّا، تطبيقات مختلفة تجعل من الإنسان متمسّكًا بشكلٍ تعلّقي مرضيّ بهاتفه الخلويّ من دون أن يدرك الأمر. وعلى الرغم من أنّ الكثير من تلك التطبيقات جيّدة، وتشجّعنا الكنيسة على استخدامها بشكلٍ يليق لنشر رسالتنا المسيحيّة، إلّا أن تطبيقات عدّة منها تشكّل خطورة كبيرة على النفس، ومنها تطبيقات التعارف بين الشباب والشابات، والتي تنتشر بشكلٍ خفيّ وخبيث بينهم، وأشهرها تطبيق Tinder.
يعلّمنا المسيح ما لا يعلّمه أيّ عِلمٍ آخر، فهو يقودنا إلى معرفة "عِلم المحبّة" وعيشِهِ حتّى النفس الأخير: "ليسَ لأحَدٍ حُبٌّ أعظمُ مِن أن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أحِبَّائِه" (يوحنّا 15: 13)؛ وهذا ما قام به بالفعل، فهو بقِيَ على صداقة يهوذا حتّى بعد خيانته، ونرى ذلك جليًّا في بستان الزيتون عندما دنا منه يهوذا وقبّلهُ، فأجابه يسوع: "يا صديقي، افعَل ما جِئتَ لَه" (متّى 26: 50). "يا صديقي"، المسيح أمينٌ لمحبّتِهِ رغم خيانة صديقه له، المسيح وفيٌّ لصداقتِهِ، وهو مستعدٌّ أن ينكر نفسه ولا يختار الأنا، لا بل هو مستعدٌّ أن يموت من أجل صديقِهِ، وهو قد حمل خيانة يهوذا معه حتّى موت الصليب. فلنُسامِح من خانوا محبّتنا، فلقد جعلونا نتشبّه أكثر بالمسيح!
مريم لا تنفصل عن الكنيسة؛ مريم متّحدة اتّحادًا وثيقًا بالكنيسة، مريم تصلّي مع الكنيسة وهي صورة الكنيسة، ومِثالًا لكلّ مؤمنٍ كونها التلميذة الأولى في مدرسة الإيمان لدى ابنها يسوع. من هنا نحتفل بعيد "مريم العذراء أُمّ الكنيسة"، واحدٌ من أجمل الألقاب المُعطاة لمريم العذراء. "إنّ العذراء التي عهِدنا إليها يسوع كأُمّ، هي تضمُّنا جميعًا؛ ولكن كاُمّ، وليس كإلهة، ولا كشريكة بالفداء: ولكن كأُمّ… مريم حاضرةٌ هناك، تصلّي من أجلنا، وتصلّي من أجل من لا يصلّي. تصلّي معنا. لماذا؟ لأنّها أمُّنا" (عظة البابا فرنسيس في عيد البشارة، 24 مارس/آذار 2021).
اللّيلة، وُضِعَ سيّد الحياة في قبر الأموات! اللّيلة، مَن خلق الكون وأناره من فيض حبّه، يُوضَع في ظلمة القبر من حِقدِ البشر عليه! اللّيلة كلّ شيء صامت، الكون بأسره يصمُت أمام عظمة الحبّ الذي بذل نفسه عن أحبّائه. فمَن هو المحبّة، نكره البشر، وما زلنا نفعل الأمر عينه حتّى اليوم!
كمّ من مرّة نردّد "هوشعنا!" في الكنائس، أمّا قلوبنا فهي خالية من المحبّة، قلوبٌ تجرح، تحقد، تُسيء للآخَر، لا تعرف أن تسامح... لا تعرف أن تُحِبّ بالحقيقة! أمام هذا التناقض، أمام اختياراتنا الدائمة لنداء "اصلبه!" المخفيّ في داخلنا، علينا أن نطرح تساؤلًا كبيرًا حول نوعيّة صلاتنا وحقيقة "هوشعنا!" فينا.