روما, الأحد 31 يوليو، 2022
إذا زرت بازيليك القدّيس بطرس في حاضرة الفاتيكان، وجدتَ فيها العديد من الأعمال الفنيّة الخلّابة التي تُظهر جمال الإيمان ولاهوت الله. فكما كاتدرائيّات وبازيليكات العالم تظهر في «أُمّ» البازيليكات الكاثوليكيّة أعمالًا فنيّة مميّزة تفتح باب قلب الحاجّ على اختبار حنان الله وعظمته. ولعلّ أحد أشهر ما تحويه بازيليك ضريح القدّيس بطرس من أعمال فنيّة منحوتة «بييتا» للفنّان الشهير مايكل أنجلو.
لماذا صنع مايكل أنجلو هذه المنحوتة؟
في العام 1498، طلب كاردينال فرنسيّ من شاب يُدعى مايكل أنجلو بوناروتي أن يقوم بصنع منحوتة للعذراء مريم تحمل المسيح بين ذراعيها. اشترى مايكل أنجلو الذي لم يكن مشهورًا بعد حصانًا خصّيصًا لهذا العمل وذهب إلى منطقة كارّارا الإيطاليّة المشهورة برخامها. هناك اختار بعناية فائقة رخامة بيضاء جاء بها إلى مشغله في روما. وفي المدينة الأزليّة روما، أخرج مايكل أنجلو إزميله، ومن حجر الرخام الضخم حرّر أشهر منحوتة في العالم. كان الفنّان يومها يبلغ 23 عامًا من العمر لكن عبر العذراء مريم الحاملة جسد ابنها المُنزل عن الصليب خلّد اسمه إلى الأبد في عالم النحت.
ما التفاسير التي تُعطى لها؟
أُعطيت الـ«بييتا» التي هي ربّما أجمل منحوتة أظهرها إزميل فنّان تفاسير متعدّدة. فلقد شبّهها مؤرّخ الفنّ الإيطالي جورجيو فازاري، تلميذ مايكل أنجلو، بالأعجوبة المنبثقة من الرخام! فمن حجرٍ لا شكلَ محدّدًا له، وصلت إلى هذا الكمال الذي لا تستطيع الطبيعة أن تقدّمه. فيها رأى فازاري أيضًا انتقالًا من انعدام الشكل إلى الكمال، وفيها اعتبر أنّ الفنّ ينتصر على الطبيعة.
في هذه الأيقونة البهيّة، تتوازن حكمة الفنّ مع جمال النفس الحقيقيّة. ففي كلّ حركة من حركات يد النحّات تظهر حكمة الفنّان الكبيرة وجمال النفس البشريّة القادرة على هكذا ابداع. فمن الصخر تخرج العذراء مريم صبيّة جدًّا ورائعة في الجمال تحمل ابنها المائت البهيّ الذي يرتاح مطمئنًّا على ركبتيّ الوالدة.
لماذا مريم العذراء أصغر سنًّا من ابنها؟
عندما رأى معاصرو الفنّان هذه الأيقونة، قالوا لناحتها: «كيف يُعقل أن تنحت الوالدة بوجهٍ يُظهرها أصغر سنًّا من ابنها؟» أجابهم المُبدع بالنشيد الثالث والثلاثين من «الفردوس» في «الكوميديا الإلهيّة» للشاعر الإيطالي الشهير دانتي: «أيّتها العذراء والأُمّ، يا ابنةُ ابنها، أيّتها المتواضعة والعليّة أنت أكثر من مجرّد خليقة، أنت العبارة الثابتة عن المشورة الأبديّة».
فلقد أراد مايكل أنجلو التأكيد أنّ العذراء مريم هي ابنة ابنها الأزلي الذي به خلق الله العالم وكلّ ما فيه. من هنا، أبرزها صبية لا تخضع لفساد الجسد. وما الفنّ سوى محاولة لتخليد مشاهد من هذا العالم أو لهذا العالم لذا خلّدها مايكل أنجلو في قلب التاريخ بصباها الذي لا يفسده الدهر.
اعتداء عليها في العام 1972
في العام 1972، هجم شخص هنغاري على المنحوتة وضربها بالمطرقة ضربات عدّة. يومها ترأّس عمليّة الترميم تشيزاري براندي، مرمّم إيطالي، اعتنق فلسفة عدم ترميم الأعمال الفنيّة القديمة لكن أمام هذا العمل، قال: «يجب إعادة وجه العذراء كما كان بالتحديد لأن وجهها الذي لا يُنسى يجب أن لا يحتمل أيّ نقص. فأيّ نقص في كماليّة هذه الأيقونة لن يكون له أيّ تفسير». وبعد الترميم، وُضع زجاج مضاد للرصاص أمام الـ«بييتا» للمحافظة عليها.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته