القاهرة, الاثنين 11 يوليو، 2022
وُلِدَ بندكتس في مدينة نورشا الإيطاليّة، من والدين ثريين، فعاش طفولته وصباه في رفاهية، وكان يُعَدّ لأن يكون نبيلًا ويرث أملاك أبيه. وقد أرسلته أسرته لدراسة الأدب والفلسفة في روما، وهو في الثامنة عشرة من عمره.
فطن لما يدور حوله من مفاهيم مغلوطة حول الحبّ (حُبّ الرجل للمرأة) تدفعه للميل إلى الرذيلة التي كان يعيشها معظم أقرانه وكانوا يخلطون بينها وبين مفهوم سِرّ الزواج، بينما كان فكره ينمو في طريق التعفّف حتى عن الزواج من فتاة كان قد تعلَّق بها في أثناء دراسته في روما.
في العشرين من عمره (تقريبًا في العام 500)، قرّر أن يترك دراسته في روما، ويذهب إلى بلدة نائية تُسمّى إنفيديا بحثًا عن السلام النفسي في العُزلة والهدوء وسعيًا وراء التعفّف.
سكن في كهف في منطقة سوبياكو الجبليّة، والتقى بناسكٍ هو القديس رومانوس الذي بدأ يرشد بندكتس إلى أفكار التنسُّك وبعض عادات النُسْك من الإقلال في الحديث والطعام والإكثار من الصلاة وتأمّل الكتاب المقدّس. تأثر بندكتس بهذه الأفكار وقرّر اختبار حياة النُسك، فاستقرّ في كهف جبل سوبياكو لمدّة ثلاثة أعوام كاملة لم يكن له اتصال مع العالم، وكان مصدره الوحيد في الإرشاد وجلب الطعام هو القديس رومانوس. وفي خلال هذه الأعوام الثلاثة، نضج بندكتس ونما في القامة والمعرفة. من ثمّ، حدث أنّ رئيس إحدى الجماعات الديريّة القريبة من جبل سوبياكو قد توفّاه الله، فتوسَّل نُسَّاك هذا الدير إلى بندكتس الناسك المُنعزل أن يصبح رئيسًا لديرهم.
توَقَّع بندكتس فشل تجربة رئاسة هذا الدير، نظرًا إلى عدم وجود شركة رهبانيّة حقيقيّة لديهم، فلكل ناسك منهم أسلوبه الخاصّ وقوانينه ولا يجمع بينهم سوى السكن في مكان واحد إلا أن إلحاحهم الشديد عليه ورغبته في عيش شركة رهبانيّة مع نُسّاك مثله دفعته إلى قبول عرضهم.
المعجزتان الأكثر شهرة في حياة القديس بندكتس
سعى بندكتس إلى توحيد قواعد الرهبنة للدير الذي تولّى رئاسته ووضع بعض الخطوط العريضة لذلك وبعض تفاصيل تقشّفية وإماتات تجعل صوت الروح ينمو داخلهم، إلا أن محاولاته لم ترُقْ لنُسَّاك الدير، وبعدما كانوا يرغبون في رئاسته للدير، أصبحوا كارهين لها، ما دعاهم للتخلّص منه بدَسّ السُمّ!
هنا يحكي المعاصرون شهادتهم، فيقولون: بدأ نُسّاك الدير بوضع السُمّ في كأس الماء الذي سيشربه القديس بندكتس بعد صومه، وإذ اعتاد رسم إشارة الصليب على مشربه ومأكله قبل أن يبدأ، فإذا بالكأس المعدني قد انشطر!
لم توقظ تلك المعجزة ضمائرهم، فقرّروا دَسّ السُم في الخُبزة التي كان يقتات منها يوميًّا، وبمجرّد رسمه إشارة الصليب عليها، دخَلَ غُراب من إحدى نوافذ قاعة الطعام ليخطف خبزة القديس بندكتس ويطير بعيدًا، فأدرك بالروح مؤامراتهم وسامحهم لكنه رفض أن يستمر رئيسًا لهذا الدير وعاد إلى كهفه على الجبل ليعيش فيه.
مع عودة القديس بندكتس إلى كهف سوبياكو، اشتهرت أخبار المعجزات التي أجراها الربّ على يده من خلال بعض النُسّاك التائبين الذين شهدوا هذه الأحداث وربما شاركوا فيها. وبعدما كانت عودته إلى الكهف بالنسبة له عودة إلى عزلة تامة لا رجعة فيها، إذا بأعداد من طالبي النُسك تتدفق على سوبياكو من كل أنحاء إيطاليا ومعظمهم أشخاص ينتمون إلى طبقة النبلاء والأثرياء، تركوا كل شيء ليعيشوا حياة نُسْك تحت قيادته وعلى مثال المعلّم الصالح يسوع المسيح.
أسّس لهم اثني عشر ديرًا حول الجبل ليستوعب أعدادهم، وقرّر أن يضع قانونًا واضحًا ومكتوبًا لرهبنته يعرضه على الحبر الأعظم أوّلًا لاعتماده، ثمّ يقوم بعرضه على راغبي التنسُّك قبل البدء في مشوارهم النُسْكي ليكون قانونًا مُلزمًا لهم ويحقّق الشركة الرهبانيّة الحقيقيّة.
وبالفعل، انتهى من وضع كتاب القانون الرهباني لأوّل وأكبر رهبنة حقيقيّة منظّمة في الكنيسة الغربيّة التي حملت اسمه في ما بعد، وهي "رهبنة البندكتين"، وهو كتاب القانون الروحي المُلزِم لرهبان البندكتين. وقد تأثر في صياغته بكتابات الناسك يوحنا كاسيان اللاهوتي الذي عاش قبل ميلاد القديس بندكتس بمئة عام، وكانت كتاباته مأخوذة في الاعتبار لدى رهبان الكنيسة الشرقيّة والغربيّة.
أما القديس بندكتس، فيمكن اعتباره أب الرهبان والشركة الرهبانيّة للكنيسة الغربيّة على غِرار القديسين أنطونيوس الكبير وباخوميوس في الكنيسة الشرقيّة.
ويتكوّن كتاب قانون رهبنة البندكتين من 73 جزءًا صغيرًا، وهو مبنيّ على مبدأين:
الأوّل روحي: كيفيّة عيش حياة مسيحيّة حقيقيّة على الأرض (سِرْ في طرق الربّ بإرشاد الإنجيل).
الثاني إداري (تنظيمي): كيفيّة إدارة الدير بكفاءة والوصول إلى حياة الكمال المسيحي بـ (الصلاة والعمل).
أكثر من نصف الكتاب يصف كيفيّة الوصول إلى الطاعة والتواضع وكيف يعيشها الناسك حتى لو كان سواه من أبناء ديره لا يعيشونها (أن تعيش بالمبدأ حتى ولو كنت الوحيد الذي تعيشه)، وباقي الكتاب يتحدّث عن عمل الله واختياراته، ومعايير اختيار رئيس الدير، وواجباته.
ثمّ، انتقل إلى مونتي كاسينو وهي مدينة جبليّة أيضًا تقع بين روما ونابولي، ليبني عليها أعظم وأكبر دير للبندكتين في إيطاليا والعالم، وهو الدير الذي اختتم فيه حياته بين تلاميذه.
رحيل القديس بندكتس
عَلِمَ القديس بندكتس بالروح موعد انتقاله، وإذ أصيب بالحمى، توفّي بالفعل في الموعد الذي علمه يوم الأحد 21 مارس/آذار 547 في كنيسة دير مونتي كاسينو بعد تناوله الأسرار المقدّسة بدقائق.
أعلن البابا بولس السادس بندكتس طوباويًّا في العام 1964، وأعلنه البابا يوحنا بولس الثاني قديسًا في العام 1980.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته