بيروت, الثلاثاء 24 مايو، 2022
"يواجه الكثيرون خطر فقدان الرجاء. في زمن الشك والألم، أدعو الجميع لكي يقبلوا هبة الرجاء التي تأتي من المسيح، فهو الذي يساعدنا لكي نبحر في المياه العاصفة للمرض والموت والظلم، التي لا تملك الكلمة الأخيرة على وجهتنا النهائيّة" (كلمة البابا فرنسيس في مقابلته العامة مع المؤمنين في آب 2020).
في ظل الواقع المأزوم في لبنان، كيف نتمسّك بالرجاء؟ ما دور الكنيسة في دعم المؤمنين المتخبّطين في أزماتهم؟ كيف يصنع المؤمنون التغيير على الرغم من محدوديّة إمكانيّاتهم؟
الرجاء في الكتاب المقدّس
في حديث خاصّ لـ"آسي مينا"، قال خادم رعيّة سيّدة الانتقال في القبيّات الخوري نسيم قسطون إن للرجاء في الكتاب المقدّس مفهومًا واسعًا، مضيفًا: يعتقد البعض أن الرجاء مرتبط بمجيء المسيح الثاني أو بعض ظهوراته لتلاميذه، لكن من يقوم ببحثٍ دقيق، يجد أن أغلبيّة الآيات تتحدّث عن الرجاء كحالة يعيشها الإنسان ويستطيع من خلالها التغلّب على الظروف المحيطة به ويرى حضور الله في حياته وسطها، حتى إن لم يعترها أيّ تغيير.
وتابع: كان الإنسان يخاف من الموت إلى أن غُلب في قيامة المسيح، وبالتالي، بتنا نفهم موقف الشهداء الذين يسيرون نحو الموت من دون خوف لأنهم يعلمون أنه يقضي على الجسد ولا يمسّ الحياة الأبديّة التي تتمتّع بها الروح. ومن هنا، يعني الرجاء أن نكون قادرين دائمًا على السعي لبناء ملكوت الله في هذه الدنيا وجعل الحياة الأبديّة تزهر في حياتنا.
ولفت الخوري قسطون إلى أن الرجاء هو حالة الإنسان المسيحي الذي لا ترتبط سعادته بكميّة أمواله وممتلكاته وقوّته الجسديّة، لكن علاقته بالله تجعله يشعر بهذه القوّة التي يحارب من خلالها كل ما يبعده عن الله ويشوّه صورته في حياته.
التمسّك بالرجاء في الأزمات
إلى ذلك، تناول الخوري قسطون الطريقة التي تساعد المؤمنين على التمسّك بالرجاء، قائلًا: في هذا الواقع المأزوم، وانطلاقًا من تعريف الرجاء في الكتاب المقدّس، هناك الكثير من الظروف التي تجعل الإنسان قريبًا من اليأس، لكن إذا أدرك المعنى الحقيقي للرجاء، سيمتلك الحوافز كي يتحدّى الظروف الراهنة.
وأضاف: الاستسلام هو ردّة الفعل الأسهل لكن الإنسان معروف في الأنثروبولوجيا أنه كائن قلق لأنه يبحث عن الحقيقة والحقّ والجمال بشكل دائم. وبالتالي، هذا الأمر يجعله خلّاقًا دائمًا حتى وسط الأزمات ليجد الأساليب المناسبة من أجل استمراريّته. اختبر أجدادنا هذه التحدّيات، ونحن اليوم نختبرها أيضًا من خلال مبادرات صغيرة نقوم بها إلا أنها تستطيع إذا كبرت أن تؤسّس لمفهوم رجاء أكبر.
وشدّد الخوري قسطون على ضرورة معرفة أن الرجاء غير مرتبط بشخصيّة سياسيّة أو فريق سياسي أو فكر معيّن لأنه عندما يرتبط بأشخاص لا يعد رجاءً بل يصبح ثقة أي حالة قادرة على التعرّض للخلل، بينما عندما يكون رجاؤنا قائمًا على الإيمان بالله، فإن محبّته ثابتة، وبالتالي، يتمكّن الإنسان من التغلّب على هذه الصعوبات روحيًّا من جهة، وينجح في الانتصار على الظروف المحيطة به عمليًّا من خلال بعض المبادرات التي يقوم بها أو يشارك فيها من جهة أخرى.
دور الكنيسة في الأزمات والحلول المطروحة
بالنسبة إلى دور الكنيسة في دعم أبنائها المتخبّطين في الأزمات، رأى الخوري قسطون وجوب ألا يقتصر دورها على الوقوف الروحي إلى جانب المؤمنين أو الاكتفاء بدعمهم المادي وإهمال الدعم الروحي بل عليها دمج الأمرَيْن.
وأعطى مثلًا ما تقوم به الجماعة المؤمنة في القبيّات، شارحًا: أنا كاهن في إحدى الرعايا السبع في القبيّات، ونحن نتعاون مع الكهنة في هذه الرعايا من خلال صندوق دعم القبيّات المُسمّى بـ"صدق" لأن كل ما نحصل عليه ونوزّعه حسب الحاجة، ننشره بشفافية أمام الجميع، وتشكّل هذه الخطوة أساسًا في بناء العلاقة مع الآخرين.
وقال الخوري قسطون: في هذه الفترة، لا يمكننا الاكتفاء بالدعاء للفقراء أو مناشدة الدولة وغيرها من أجل التدخّل بسبب الغياب الكلّي للآليّات الرسميّة والمركزيّة لارتباطها بإجراءات معيّنة في حين أن المؤمنين يكونون بحاجة إلى مساعدة فوريّة ولا يستطيعون الانتظار لإنهائها. وبالتالي، فإن أحد الحلول التي يمكن القيام بها على صعيد الكنيسة والرعايا -الحلّ المُعْتَمَد في القبيّات- يتمثّل في إنشاء شبكة تواصل مع المقيمين والمغتربين من أبناء الرعيّة لأن الكثيرين من المقتدرين يستطيعون المساعدة، ويهتمّون بدعم الآخرين من دون الكشف عن أسمائهم. إن هذه المبادرات تحلّ جزءًا من المشكلة بدل انتظار مبادرات الدولة من دون جدوى.
وأكد خادم رعيّة سيّدة الانتقال في القبيّات أن الكنيسة ليست فقط الحجر أو الكهنة بل هي شعب الله، مضيفًا: لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي ومشاهدة شعب الله يموت من الجوع، والدعوة إلى التحلّي بالصبر، بل الاهتمام بحاجاته كيلا يخسر كرامته ويبقى صامدًا، حفاظًا على الرجاء.
آياتٌ رجائيّة
وختم الخوري قسطون حديثه عبر "آسي مينا"، داعيًا المؤمنين إلى التأمّل في الآيات الآتية من أجل التمسّك الدائم بالرجاء، مهما كانت الظروف قاسية: "قدّسوا الربّ المسيح في قلوبكم. وكونوا دائمًا مستعدّين لأن تردّوا على من يطلب منكم دليلَ ما أنتم عليه من الرجاء، ولكن ليكن ذلك بوداعة ووقار، وليكن ضميركم صالحًا، فإذا قال بعضهم إنكم فاعلو شرّ، يخزى الذين عابوا حسن سيرتكم في المسيح. فخير لكم أن تتألّموا وأنتم تعملون الخير، إن شاء الله ذلك، من أن تتألّموا وأنتم تعملون الشرّ" (1 بط 3: 15-17).
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته