الجمعة 20 ديسمبر، 2024 تبرّع
EWTN News

الأزمة الاقتصاديّة اللبنانيّة: تحدّيات وتطلّعات. مقابلة مع الدكتورة غادة الطبّاع

ساحة النجمة في وسط بيروت/ Provided by: Djedj / Unsplash

ضمن سلسلة مقابلات حول الوضع العام في لبنان، سألنا الدكتورة غادة الطبّاع حول الأزمة الاقتصاديّة والماليّة في لبنان. دكتورة غادة الطبّاع حاصلة على شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصاديّة من جامعة السوربون باريس الشماليّة في باريس. هي مستشارة اقتصاديّة في عدّة منظّمات دوليّة وأستاذة محاضرة في جامعة القدّيس يوسف والجامعة اللبنانيّة في بيروت. ومع العلم أنّ زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان قد تمّ تأجيلها، بحسب ما أعلن وزير السياحة اللبناني منذ أسبوعين، وهو مسؤول اللجنة المعنيّة بتحضير الزيارة، إنّما سألنا أيضًا دكتورة الطبّاع حول النتائج الممكنة لزيارة البابا، إن حصلت، للمساعدة في النهوض من الأزمة.

 

السؤال الأوّل: دكتورة غادة الطبّاع، شكرًا على هذه المقابلة. بدايةً، أممكن أن تختصري لنا، بخاصّةٍ من أجل الذين لم يتابعوا الوضع اللبناني عن كثب في السنوات الأخيرة، الأسباب الرئيسيّة التي أوصلت لبنان للانهيار الحالي؟ ما الذي أوصل لبنان إلى هذه الأزمة؟

الأزمة متعدّدة ومتشابكة. لها عوامل داخليّة وخارجيّة. لكن هناك سبب رئيسيّ للأزمة أمّا الباقي انعكاسات وتفصيل. وهو غياب حكم قويّ ونظيف. قويّ بمعنى أنّه قادر على أن يفرض سياساته ورؤيته الإقتصاديّة من دون معارضة المعطّلين ونظيف بمعنى أنّ يكون غير فاسد ولا يبدّي مصالحه الفرديّة على مصلحة الوطن.

ففي لبنان لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة والسياسة تأتي أوّلًا. وأكبر دليل على ذلك أنّ الانتخابات النيابيّة التي أُجريت مؤخّرًا أدّت إلى وصول 128 نائبًا إلى البرلمان معظمهم لا يملك أيّ برنامج أو مشروع اقتصادي. ولا يهمّ اللبنانيّ البرامج الاقتصاديّة. «أوقات بدّو الدولة وأوقات ما بدّو».

هذه اللامبالاة لدى اللبنانيّين وهذا الكسل السياسيّ الذي تجسّده السياسات والايديولوجيّات النيوليبراليّة أدّى إلى غياب لأي نوع من أنواع الرؤية الواضحة لمهمّة لبنان الاقتصاديّة. ومن هنا أتت الاستدانة العشوائيّة وغياب القوانين الأساسيّة كقانون المنافسة ومصالح الكارتيلات والهندسات الماليّة الفاشلة وإهمال القطاعات الانتاجيّة كالقطاعات الزراعيّة والصناعيّة منها إضافةً إلى تقديس القطاع المصرفي وأولويّته والسياسات النقديّة والماليّة غير المدروسة إلخ.

 

السؤال الثاني: هل من إمكانيّة بعد لانتشال الشرائح الاجتماعيّة اللبنانيّة التي سقطت تحت خطّ الفقر نتيجة الأزمة ورفعها إلى حالةٍ اجتماعيّةٍ أفضل؟ أم فقدت الدولة مناعتها الماليّة بشكلٍ كامل ولم تعد قادرة على انتشال مواطنيها من مأساتهم؟

يتجسّد الفقر في لبنان عمليًّا في عجز شريحة كبيرة من اللبنانيّين في توفير احتياجاتهم الأساسيّة من مسكن واستشفاء وتعليم ونقل وتوظيف. كما يزيد من حدّة الأزمة نسبة البطالة المرتفعة. فعدد كبير من العمّال يعملون في القطاع غير النظامي وهو غير خاضع لبرامج تغطية صحيّة. حدّة الأزمة انعكست مباشرةً على هذه الشريحة من اللبنانيّين. فالبنزين والمازوت والكهرباء والمواد الغذائيّة لم تعد مدعومة بل أصبحت مكلفة جدًّا. أصبحت صفيحة البنزين تساوي الحدّ الأدنى للأجور وفاتورة الكهرباء وحدها تفوق المعاش الشهري لموظّفي الدولة. كما مرّ التعليم الرسمي والجامعة اللبنانيّة بصعوبات حادّة أدّت إلى تراجع نوعيّة التعليم وبالتالي تراجع التحصيل العلمي لهذه الشريحة الفقيرة.

أمّا عن دور الدولة. الدولة منهمكة بانتظار قاتل لتعويم المصارف وليست مهتمّة بما يحدث. لكن المؤسف دور الأحزاب السياسيّة واستغلالها الفقر لاستقطاب ناخبين إلى صفوفها، كما حصل في العمليّة الانتخابيّة الأخيرة، عبر توزيع المازوت وحتّى إعطاء بدل ربطة خبز. أمّا الأخطر من ذلك هي الجماعات الدينيّة المستجدّة على لبنان التي تستغلّ بعض الشرائح وتتغلغل بمجتمعنا اللبناني. فاللبنانيّ اليوم لم تعد لديه مشكلة ببيع دينه ومعتقداته الدينيّة مقابل «فريش دولار».

 

السؤال الثالث: ما الحلول للخروج أو لبدء الخروج من الأزمة؟ أهي خطّة التعافي الحكوميّة أم ديون خارجيّة جديدة أم بيع الذهب الموجود بحوزة مصرف لبنان مثلًا أم حلول أخرى كتأميم أملاك خاصّة أو بيع أملاك الدولة؟

(Story continues below)

اشترك في نشرتنا الإخبارية

في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.

اشترك الآن

ما من حلّ وما من بديل واقعي يحاكي معطيات الوضع الحالي. المشكلة في لبنان هي في سوء الإدارة. لبنان يملك كلّ ما يلزم من موارد طبيعيّة نفطيّة وبشريّة لكنّ المشكلة هي في سوء استخدام تلك الموارد وسوء تخصيصها من قبل الإدارات المتعاقبة منذ عام 1943. المشكلة ليس لبنان، المشكلة تكمن في إدارة لبنان. فلو حكمت هذه الإدارات المتعاقبة أغنى دول العالم لأفلستها خلال عامين. لبناء إدارة عامّة جيّدة واقتصاد جيّد يحتاج لبنان فقط إلى حكم قويّ وغير فاسد ونظيف.

 يمكن عندها للحلول أن تبدأ عبر الاستثمار في القطاعات الإنتاجيّة بشكلٍ سليم، يمكن أن يمثّل بديل عن سياسات التقشّف. إذ إنّ نجاح الاستثمارات الإنتاجيّة يؤدّي إلى خفض العجز في الحسابات الخارجيّة عبر تصدير الإنتاج المحلّي وتقليص الاستيراد بسبب توفّر السّلع محليًّا مما بحدّ من العجز في الميزان التجاريّ وبالتالي في ميزان المدفوعات. والحركة الاقتصاديّة الناتجة عن الاستثمارات الإنتاجيّة تؤدّي إلى زيادة إيرادات الدولة وخفض العجز في الموازنات إذا تؤدّي إلى موارد أكبر للدولة عبر ضرائب تُجنى من عدد أكبر من الشركات. إضافةً إلى ذلك، إنّ الاعتماد على الموارد البشريّة والطبيعيّة الذاتيّة للبلد والتركيز على رؤية اقتصاديّة واضحة يخلق نوعًا من الاستقلاليّة الاقتصاديّة.

 

السؤال الرابع: ما هو الاتّفاق الذي عقدته الحكومة اللبنانيّة مع صندوق النقد الدولي؟ وهل ستلتزم حكومات ما بعد الانتخابات برأيكِ به؟

مسوّدة الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي، لا تبشّر بالخير. إذ ليس فيها ما يشير إلى ما ستقوم به الحكومة من أجل تعزيز النموّ وأيّ قطاعات ستكون مستهدفة.

الهدف من هذا الاتّفاق هو أن يُعاد إنتاج النظام المصرفي كقاطرة أساسيّة لنموّ الاقتصاد. عمليًّا تتركّز المسوّدة على أمرين: توزيع الخسائر وزيادة الضرائب. وتتمحور الخطّة على أربعة أطراف: الدولة اللبنانيّة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، متناسيةً الطرف الأهمّ وهو باقي البلد أي باقي القطاعات وباقي الاقتصاد والمشاكل الاجتماعية.

فبرنامج صندوق النقد الدولي لا يتضمّن حلولًا اقتصادية تنمويّة حقيقيّة. برامجه على أربعة عقود تخلو من أي إشارة إلى وضع سياسة صناعيّة موضع التنفيذ أو أي بناء للإدارة العامّة، بغية مساعدة البلد في النهوض، كما أكّدت التجارب في البلدان العربيّة وبلدان أمريكا اللاتينيّة. مهمّة صندوق النقد الأساسيّة في معالجة الأرقام على الورق (كالضرائب وسعر الصرف)، دون معالجة الاقتصاد والمشاكل الأساسيّة.

 

السؤال الخامس: مع العلم أنّ وزير السياحة اللبناني، رئيس اللجنة المسؤولة تحضير زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان، كان قد أعلن الأسبوع الفائت، تبلّغه تأجيل الزيارة، إنّما برأي حضرتكِ دكتورة، ما الذي يمكن أن تضيفه زيارة البابا أو تغيّره في المشهد اللبنانيّ العام اليوم، في حال أتى؟ أتعتقدين أنّ بالإمكان أن يكون لزيارة البابا نتائج ربّما مباشرة أو غير مباشرة على نهوض لبنان من أزمته السياسيّة والاجتماعيّة وبالتالي ربّما أيضًا من أزمته الماليّة والاقتصاديّة؟ 

لزيارة البابا إلى لبنان أهميّة كبيرة في تذكير اللبنانيّين بالقيمة الروحيّة والدينيّة للبنان وتعزيز ثقتهم بهذه الأرض، كي يكونوا نموذج لا للخيبات بل للرجاء. فلبنان اليوم يشهد ثالث أكير موجة هجرة مسيحيّة في تاريخه. اللبنانيّون قد فقدوا الرجاء ويعانون من خيبة أمل على كلّ الأصعدة ويستسلمون ويهاجرون البلاد بحجّة أنّ لبنان «بطّل إلنا وشو ما كان برّا أحسن». زيارة البابا إلى لبنان هي رسالة قيامة ورجاء. هي تأكيد على قيمة لبنان الحضاريّة وبعده الروحيّ وقدسيّة أرض لبنان كما جاء في رسائل القدّيس يوحنّا بولس الثاني. هي تذكير أنّ المسيح زار لبنان وهي تشديد لما تنشده الكنيسة اللاتينيّة يوم الجمعة العظيمة «سيأتي الله من لبنان».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته