أربيل, الثلاثاء 10 مايو، 2022
نشأة الرهبنة
أبصرت الرهبنة النور في مستهل القرن السابع الميلادي على يد الراهب الكبير الربان هرمزد، الذي ترك وطنه وأهله وتجرد من كل شيء، قاصدًا الأماكن المقدسة ناويًا المضي إلى صعيد مصر. لكن الإرادة الربانية شاءت أن يقيم النواة الأولى للرهبنة في صومعة للصلاة والتأمل حفرها بيده في الجبل المطل على بلدة القوش حيث وجد هناك ينبوع ماء. وما أن سمع الناس ما يجري على يده من العجائب وشفاء المرضى حتى قصده الكثيرون، وانتمى إليه بعض الشباب هكذا تكونت المرحلة الأولى من الحياة الرهبانية نحو سنة 640 م. من ثم واصلت الحياة الرهبانية مسيرتها الشاقة بالرغم من الظروف العصيبة التي واجهتها، من الحروب والغزوات البربرية المتكررة وما خلفته من الدمار، مما أدى إلى تشتت الرهبان وأصبح الدير مهجورًا لفترات طويلة.
الأنبا جبرائيل دنبو مؤسس الرهبنة
إلا أن صلوات الربان هرمزد لم تذهب سدى بل أعطت ثماراً، فقد هيأت العناية الإلهية رجلاً فاضلاً اسمه جبرائيل دنبو، المولود سنة 1775 من ماردين (تركيا) ليقوم بتأسيس الرهبنة الأنطونية الهرمزدية الكلدانية في دير الربان هرمزد، وهذا ما تحقق إذ فتحت أبواب الدير مجددًا في سنة 1808. وهكذا دبت الحياة الرهبانية في قلب الكنيسة.
خادم الله الأنبا الشهيد جبرائيل دنبو هو مؤسس الرهبنة الأنطونية الهرمزدية الكلدانية، كان انسانا تاقت نفسه الى حياة الزهد و التكريس لله. فجاء الى الموصل لتحقيق هذه الأمنية النبيلة و اختار دير الربان هرمزد العريق ليعيش فيه و يجذب إليه الأخوة أخرين وبذلك يعمل على إحياء الحياة الرهبانية في الكنيسة الكلدانية بعد ان خمدت جذورها منذ قرون بسبب الفتن والأوبئة والحروب و التطاحن بين الشعوب. وُلِدَ جبرائيل دنبو من أبوين هما شمعون بن بطرس دنبو و امه المدعوه شمس، نما الطفل جبرائيل في محيط معبق بروح الإيمان ومخافة الله، فكانت أمّه تهتم بتعليمه منذ نعومة أظفاره الصلوات القصيرة ومبادئ الديانة المسيحيّة. عندما كبر جبرائيل في السن والقامة أرسله والده إلى المدرسة الخاصّة بالأولاد الكلدان. بعد مدّة إختار الأب الكاهن المسؤول عن التعليم في مدرسة الخورنة بعض الطلاّب ومن بينهم جبرائيل بن شمعون بدأ يُعلّمهم مبادئ سرّي التوبة والقربان المقدّس: أي كيف يتقرّب الفتى المسيحي من منبر الإعتراف ويقر بخطاياه أمام الكاهن ويُصغي بانتباه إلى نصائح الأب المرشد، وكيف يقصد قصدًا قويًّا ألا يعود إلى الخطيئة. كان يحاول جبرائيل أن يحصل على المزيد من المعلومات فلا يكتفي بما يسمعه في مدرسة الكنيسة بل يطالع الكتب، خاصّة الكتب الروحيّة وسير القدّيسين؛ ويُخالط الكهنة والشمامسة ويُصغي إلى أحاديثهم وتعليقاتهم. وكان يداوم باجتهاد على صلاة الصباح الطقسيّة وعلى صلاة المساء ويُراجع مع أحد الشمامسة المتقدّمين بالسن والخدمة مختلف الصلوات الطقسيّة. كان جبرائيل يُفكّر بالحياة المكرّسة منذ سنوات صباه، ونمت فيه هذه الرغبة، لم يبح برغبته هذه لأحد.
استشاهده
في يوم الأربعاء 15 آذار سنة 1832 قدم محمد باشا أمير راوندوز المعروف بـ ميركور (الأمير الأعور) بمهاجمة الموصل وأطرافها وقتل كثيرًا من الايزيديين والمسيحيين ثم أقبل إلى القوش وحاصرها بجيشه الجرار.
ركع الأب جبرائيل إلى جانب اخوته الرهبان، وركعت الجماعة معهم، ثمّ رفع ذراعيه على شكل صليب و أنظاره متّجهة إلى السماء وبقي يُصلّي بحرارة وتقوى ملائكيّة. ولمّا تقدّم منه الجنود هجموا أوّلاً على الرهبان الثلاثة فنحروهم كما تُنحر الخراف أمام عيني الأب المؤسّس وكان يُصلّي بحرارة لكي يثبت هو وكل اخوته في هذه الساعة العصيبة، وكان يتمتم: بيدك يا رب أستودع روحي، بيدك يا رب أُسلّم اخوتي الرهبان الأعزّاء، بيدك يا رب أضع ديرنا ولتكن إرادتك. حينئذ تقدّم منه أحد السفّاحين الذين أحاطوا به، ودعاه إلى إعتناق الإسلام ليخلص، فرفض فهجم عليه وطعنه بخنجر في صدره، وتلك كانت علامة لرفقته بأن يُمزّقوا جسد الشهيد الطاهر بالسيوف والخناجر، وهكذا أثخنوه بالطعنات، ولم تمض غير دقائق قليلة حتّى لفظ روحه البارّة فطارت إلى السماء وشفتاه تتحرّكان بالغفران لقاتليه على مثال معلّمه الإلهي.
الاعجوبة
شاء الرب أن يُظهر عجائبه في إستشهاد عبده الأمين وذلك أنّ الشقي الذي طعنه بيده فقتله يبست في
الحال تلك اليد الآثمة وصار يرتجف وفمه يزبد. ولمّا رأى رفاقه حالته الكئيبة سألوه: ما بك؟ قال: حينما ضربتُ هذا الرجل اللابس الأسود “ربّانا” شعرتُ وكأنّ يدًا خفيّة ضربتني في الحال، وها أنا مائت بخطيئة هذا الولي، وصار يضرب نفسه ويصرخ كالمجنون. وفي يأسه صار يأخذ من دم الأب جبرائيل المسفوح على الأرض ويدهن به اليد اليابسة، وإذا بها تستعيد طراوتها وشفي جسمه كلّه، فذهب يقرع صدره ندمًا.
أما الأعجوبة الثانية كانت عندما اكتشفوا الجثمان الأنبا الشهيد، كانت الجثة سليمة لم يمسها أي شيء. كان هذا المنظر مدهش، حيث ان جميع الجثامين من حوله كانت قد تلاشت و تآكلت بحسب شهادات من الرهبان في ذاك الوقت.
دُفِنَ الأب الجليل باحتفال يليق بالشهداء الأبرار في كنيسة مار ميخا بالجانب الشمالي من الإيوان الكبير الذي كان سابقًا المصلّى الصيفي. وصار ضريحه ملجًأ روحيًّا للمؤمنين سنة 1832م.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته