ما هو مستقبل العلاقات الكاثوليكية - الأرثوذكسية الروسية؟

الفاتيكان, الاثنين 9 مايو، 2022

مع المقابلة التي أجرتها صحيفة Corriere della Sera الإيطالية في 3 مايو، بدا البابا فرنسيس وكأنه يحرق جسور الحوار المسكوني مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي بناها الفاتيكان بعد جهود كثيرة.

في نفس الوقت، اجتمع أعضاء المجلس البابوي لتعزيز الوحدة المسيحية في روما في نفس الأسبوع، مما أعطى دفعة جديدة للحوار بين الطوائف المسيحية.

يتأثر الحوار المسكوني بشدة الآن بالوضع في أوكرانيا. قبل الحرب، كان هناك انقسام أرثوذكسي، لكن مع إنشاء الكنيسة الأرثوذكسية لأوكرانيا (OCU) و استقلالها عن الكنيسة الروسية، أدى إلى خرق بين بطريركية موسكو والبطريركية المسكونية في القسطنطينية.

واصلت موسكو العلاقات الثنائية مع روما لكنها تخلت عن أحداث الحوار بين الأرثوذكس التي ترأسها القسطنطينية وأطلقت أيضًا سياسة كنسية عدوانية أدت و قبل وقت قصير من الغزو الشامل لأوكرانيا، إلى إنشاء إكسرخسية (وهي وحدة إدارية للكنيسة تقع خارج أراضيها الرئيسية) في إفريقيا في الأراضي الخاضعة لسلطة البطريركية الإسكندرية للروم الأرثوذكس وأفريقيا كلها.

لقد غيرت الحرب الوضع. حتى فرع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبط بطريركية موسكو المعروفة باسم (UOC-MP) تنصل من خط البطريرك كيريل من موسكو وجميع روسيا، الذي برر العدوان الروسي.

كان الاحتمال الوحيد أمام بطريركية موسكو للهروب من عزلتها هو الحوار مع روما. وكان هناك محاولات لعقد لقاء ثان بين البابا فرنسيس وكيريل في القدس. ولكن بعد ذلك قرر الكرسي الرسولي إلغاء الاجتماع.

ثم جاءت مقابلة البابا مع كورييري ديلا سيرا، والتي تحدث ​​فيها عن مكالمته عبر الهاتف مع البطريرك كيريل في 6 مارس وحذر الزعيم الأرثوذكسي الروسي من أن يصبح "فتى مذبح بوتين".

إذا تم إلغاء الاجتماع الثاني لأسباب نفعية، فإن كلمات البابا فرنسيس أحرقت جسور الحوار مع بطريركية موسكو.

وردت البطريركية بالقول إن البابا فرنسيس اختار "اللهجة الخاطئة" لنقل مضمون المحادثة مع كيريل، مؤكدة أن "مثل هذه الأقوال لا تكاد تزيد من الحوار البناء بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وهو أمر ضروري للغاية في الوقت الحالي. "

نشرت بطريركية موسكو ملخصًا لكلمات كيريل للبابا على موقعها الرسمي على الإنترنت. وسلط النص الضوء على وقوع ضحايا للمتحدثين الروس في مدينة أوديسا بجنوب أوكرانيا في عام 2014 وتوسع حلف شمال الأطلسي باتجاه الشرق، مما يشير إلى أنهما سببان محتملان للغزو الروسي لأوكرانيا.

وقال كيريل للبابا إن الوضع الحالي سبب له "ألمًا شديدًا".

وقال "قطيعي على طرفي الصراع ومعظمهم من الأرثوذكس". "جزء من الجانب المقابل يكون أيضًا من بين قطيعك. لذلك أود، ترك الجانب الجيوسياسي جانبًا، لطرح السؤال حول كيفية تأثيرنا نحن وكنائسنا على الوضع. كيف يمكننا العمل معا لإحلال السلام للأطراف المعادية بهدف واحد هو إحلال السلام والعدالة؟ من المهم جدا في ظل هذه الظروف تفادي المزيد من التصعيد ".

في الممارسة العملية، طلبت بطريركية موسكو من روما عدم النظر في الأحداث السياسية والوطنية، مع الاحتفاظ بإمكانية التحدث معهم والتعليق عليها - والبقاء، في جوهرها، كنيسة وطنية بعمق. هذا منظور لا يمكن أن يقبله البابا والكرسي الرسولي: بالنسبة للبابا فرنسيس، يجب مواجهة الصراع من منظور ديني، وترك السياسة جانبًا.

يختلف موقف أولئك الموجودين في ساحة المعركة. ألقى الميجور رئيس الأساقفة سفياتوسلاف شيفتشوك، رئيس الكنيسة الكاثوليكية اليونانية الأوكرانية (UGCC)، خطابًا ألقاه الأسبوع الماضي، سلط مزيدًا من الضوء على الوضع.

متحدثا في الجلسة العامة للمجلس البابوي لتعزيز الوحدة المسيحية في 5 مايو، شدد شيفتشوك على أن الحرب التي شنتها روسيا كانت "أيديولوجية" وتهدف إلى "القضاء على الشعب الأوكراني". وأشار إلى التعليمات التي أعطيت للجنود الروس حول كيفية معاملة الأوكرانيين، قائلاً إنها ترقى إلى مستوى "كتيب الإبادة الجماعية".

وأكد شيفتشوك أن الحرب عززت الوحدة بين الطوائف الدينية في أوكرانيا. وأشار إلى المجلس الأوكراني للكنائس والمنظمات الدينية (UCCRO)، والذي يضم ممثلًا عن UOC-MP و "في 70 يومًا تمكن من إعداد 17 وثيقة" تتعلق بالحرب.

على وجه الخصوص، أشار شيفتشوك إلى أنه عشية الهجوم الروسي، اقترحت UCCRO نفسها كوسيط، لأنه "إذا كان الدبلوماسيون والسياسيون غير قادرين على تجنب المواجهة المسلحة، فقد أردنا نحن رجال الكنيسة أن نكون هذه الهيئة التي يمكنها التوسط بطريقة ما وأيضًا منع المواجهة المسلحة ".

كما كتبت  UCCRO"رسالة إلى الزعماء الدينيين في بيلاروسيا" عندما أجبرت الحكومة الروسية روسيا البيضاء على المساعدة في النزاع.

يشير عمل UCCRO والمشاركة النشطة لأعضاء UOC-MP، وفقًا لشيفتشوك، إلى أن "الضحية الأولى لهذا الهجوم الروسي كانت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو".

المتروبوليت أونوفري، رئيسUOC-MP، أدان الحرب. في الوقت نفسه، قال شيفتشوك، "توقفت 15 أبرشية روسية أرثوذكسية على الأقل من أصل 53" في أوكرانيا عن إحياء ذكرى البطريرك كيريل خلال الصلوات الإلهية.

وقال الزعيم الكاثوليكي إنه كان هناك أيضًا "انتقال هائل للرعايا من إدارة بطريركية موسكو إلى إدارة الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا". حتى الآن، أكملت أكثر من 200 أبرشية هذه الخطوة.

وشدد شيفتشوك على أن رد الفعل المسكوني للحرب كان بالإجماع وواحد من "الإدانات الصريحة".

في خطابه الافتتاحي في الجلسة العامة، تحدث الكاردينال كورت كوخ، الرئيس السويسري للمجلس البابوي لتعزيز الوحدة المسيحية، عن الحرب الجارية.

قال: "هذا العام، بشكل غير متوقع، تعرضت الحركة المسكونية أيضًا لتوترات خطيرة. أفكر قبل كل شيء في حرب بوتين الرهيبة في أوكرانيا، والتي لم تولد فقط انقسامات جديدة وعميقة في العالم الأرثوذكسي، ولكنها أثارت أيضًا انزعاجًا مسكونيًا خطيرًا ".

(Story continues below)

"حقيقة أن مثل هذه الحرب الرهيبة، مع عدد كبير من اللاجئين والوفيات، قد تم إضفاء الشرعية عليها أيضًا من وجهة نظر دينية يجب أن تهز الروح المسكونية وتستحق الاسم الذي أطلقه عليها البابا فرانسيس: التجديف".

"إذا اعتبرنا أيضًا أنه في الحرب في أوكرانيا، قاتل المسيحيون ضد المسيحيين وحتى الأرثوذكس قتلوا بعضهم البعض، يجب أن ندرك خطورة الجروح المسكونية التي لحقت بهم والتي، للشفاء، لن تتطلب وقتًا فحسب، بل قبل كل شيء تحويلات. "

وأضاف كوخ أن "غزو بوتين دفع المسيحيين والكنائس في أوكرانيا إلى التوحد".

قال: "هذه أيضًا علامة على أن الله يمكنه الكتابة مباشرة حتى على سطور ملتوية جدًا".

ليس من المستغرب أن كلمات البابا غير المتوقعة وغير الدبلوماسية أثارت رد فعل من بطريركية موسكو. رأت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في البابا فرنسيس طريقة ممكنة للتغلب على عزلتها الدولية.

وبدا أن البابا يحرق جسور الحوار. لكن المجلس البابوي لتعزيز الوحدة المسيحية أعاد تأسيسها بطريقة ما، مع توضيح أنه لا يتفق مع الحرب في أوكرانيا أو مواقف بطريركية موسكو.

كانت إشارة كوخ إلى الوحدة دعوة لجميع الكنائس المسيحية للتغلب على الانقسامات الداخلية للمساعدة في إنهاء الحرب. الوقت سيُحدد ما إذا كان قد تم الالتفات إلى استئنافه.