القدس, الجمعة 31 يناير، 2025
عُيِّن الأب الفرنسيسكاني فرانشيسكو باتون حارسًا للأراضي المقدّسة منذ العام 2016. وحلَّ خبر التعيين كالصاعقة، إذ انتقل فجأةً إلى أرض غير مألوفة بينما كان يستعدّ لمهمّة أخرى في إيطاليا.
وفي حوار خاصّ مع وكالة الأنباء الكاثوليكية، شريك إخباري لـ«آسي مينا» باللغة الإنجليزية، صرّح باتون: «لم أزر الأراضي المقدّسة سوى مرّتين بغرض الحجّ. وفي بادئ الأمر، تردّدتُ في قبول هذه المسؤوليّة، إذ شعرتُ بأنّني أفتقر إلى المعرفة اللازمة لأداء مهمّاتي».
يُعَدُّ حارس الأراضي المقدّسة رئيسًا إقليميًّا فريدًا ضمن الرهبنة الفرنسيسكانيّة، إذ إنّه يقود جماعة الرهبان وهو في الوقت ذاته الحارس الرسمي للمواقع المسيحيّة المقدّسة بتفويضٍ من الكرسي الرسولي. وقد أُوكِلت هذه المهمّة إلى الفرنسيسكان منذ العام 1342 بمرسوم بابويّ أصدره البابا كليمنت السادس بعنوان «نشكركم». ومنذ تلك الحقبة، أصبحت حراسة الأراضي المقدّسة مرجعًا للسياسيّين والدبلوماسيّين والسلطات المحلّية على مدار 700 عام.
وأخبَرَ باتون أنّه استطاع التأقلم في دوره الجديد عبر الإصغاء والتعلّم. وأشاد بجهود مُعاونيه، ومن بينهم شِبلي السائق الذي «علّمني الصلوات الليتورجيّة في القدّاس الإلهي باللغة العربيّة، وكنتُ أتدرّب على القراءة في أثناء السفر، وكان هو يُصحّح أخطائي، حتّى نشأتْ بيننا علاقة أخويّة حقيقيّة»، حسبما روى.
ووصَفَ اختباره بعباراتٍ ثلاث: «الحِدَّة، والتمسّك بالروحانيّات، والأُخوّة»، مضيفًا: «هذه السنوات التسع أشبه برحلةٍ روحيّة عميقة. وكانت أولى ثمارها التعلّق بالمواقع المقدّسة، فانتقلتُ من المعرفة النظريّة إلى الواقع الملموس».
لكنّ ولاية باتون لم تَخلُ من تحدّيات جسيمة، فقد واجهت الحراسة آثار الحرب السوريّة، وجائحة كوفيد-19، وتصاعد التوتّرات السياسيّة. ولمّا بلغ الصراع في سوريا ذروته، كان دور الأب حنا جلوف، مطران اللاتين في حلب، خير دليل على الالتزام الفرنسيسكانيّ، إذ قال لباتون: «أفضّل أن أبقى مع شعبي، حتّى لو كان ذلك يعني الموت. لن أتركه وأرحل كالمرتزقة». وكشفَ باتون: «إيمانُه ألهَمَني لأواجه القرارات الصعبة بمزيد من الطمأنينة».
كما واجهت الحراسة تحدّيات ماليّة قاسية في خلال الجائحة، واضطرّت إلى الاقتراض لدعم الموظّفين.
وتصاعدت الضغوط السياسيّة أيضًا، وبلغت ذروتها بإغلاق كنيسة القيامة عام 2018 احتجاجًا على مشروع قانون ضريبيّ مُقتَرَح. وعلّقَ باتون بالقول: «شهدتُ تحوّلًا تدريجيًّا في السياسة الإسرائيليّة التي بدأت تعتمد توجّهًا يمينيًّا يجمع القوميّة والتشدّد الديني. وازدادت الضغوط على الضفّة الغربيّة. ولعلّ حرب غزّة كانت لتأخذ مسارًا آخَر لولا الحكومة الحاليّة، ولو حظيت قضيّة الرهائن بالاهتمام الكافي. أما نحن، فقد واجهنا ضغوطًا متزايدة، ولا سيّما في مسألة الضرائب، إلى جانب تزايد الهجمات، سواء على المواقع المقدّسة أو على المستوى الشخصيّ، بما في ذلك الإهانات».
أمّا أسلوب باتون القيادي، فيرتكز على المشاركة والمسؤوليّة الجماعيّة. وأوضح في هذا الإطار أنّ «الحديث اليوم عن السينودسيّة كَثُرَ، لكنّني أفضّل مصطلح المشاركة. كلّما انخرط الرهبان في صنع القرار، ازداد شعورهم بالمسؤوليّة. والقرارات ستكون صائبة، لأنّ من أسهَم بها يشعر بالمسؤوليّة».
وفي ما يتعلّق بالمستقبل، رأى باتون أنّ نشاط الحراسة سيشهد تحوّلًا مع مشاركة جماعات من دولٍ متنوّعة وتقليص الأثر الأوروبي. وأشار إلى أنّ التغيّير «سيشكّل تحدّيًا، لكنّه مصدر غِنى»، مضيفًا: «سنحتاج إلى مضاعفة جهودنا في مجال التكوين والتأهيل».
وعلى الرغم من الأوضاع المضطربة، لا يزال باتون متفائلًا بدور الحراسة في تعزيز السلام، مشدّدًا على أنّ «إسهام الحراسة في السلام يبدأ من المدارس حيث نربّي الجميع على روح الأخوّة». ومع تفاقم النزاعات، أكّد أنّ حاجة العالم تتمثّل في «السلام الحقيقي، بدلًا من مجرّد هدن موقّتة. علينا أن نعتمد رؤية بعيدة المدى، حتّى إن كان طريق السلام شاقًّا».
أمّا عن مستقبله واحتمال تعيينه أسقفًا، فأوضح في ختام حديثه: «قبل تسع سنوات، ظننت أنني سأُعَيَّن كاهنًا لرعيّة في تورينو. لكنني أصبحتُ في الأراضي المقدّسة. لذا، قرّرتُ ألّا أضع خططًا، بل أن أتوكّل على الله».
تُرجِمَ هذا المقال عن وكالة الأنباء الكاثوليكية، شريك إخباري لـ«آسي مينا» باللغة الإنجليزية، ونُشِر هنا بتصرّف.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته