السبت 11 يناير، 2025 تبرّع
EWTN News

المسيحيّون في سوريا الجديدة... نظرةٌ على التحدّيات والآفاق

قدّاس إلهيّ بمناسبة عيد الظهور الإلهيّ (الغطاس) في كاتدرائيّة مار الياس المارونيّة-حلب/ مصدر الصورة: صفحة كاتدرائيّة مار الياس المارونيّة في فيسبوك

بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشّار الأسد وبروز إدارة جديدة في سوريا، يُواجه المسيحيّون في البلاد واقعًا متغيّرًا يحمل في طيّاته تحدّياتٍ جسيمة وفي الوقت نفسه أملًا بمستقبل أكثر استقرارًا.

في خلال العقود الماضية، عاش المجتمع المسيحيّ في سوريا، على غرار سائر الطوائف، واقعًا أفرزَ مشكلات أمنيّة واقتصاديّة واجتماعيّة معقّدة. فما هي أبرز التحدّيات التي يُواجهها المسيحيّون اليوم والفرص المُتاحة لهم في ظلّ الإدارة الجديدة؟

تحدّيات أمنيّة واقتصاديّة

يُشكّل الأمن الهاجس الأكبر لمسيحيّي سوريا. ففي ظلّ وجود جماعاتٍ مُسلّحة وتنظيمات متطرّفة، يشعر المسيحيّون بخوف من أعمال العنف والهجمات ذات البُعد الطائفي. انطلاقًا من هنا، باتت الحاجة مُلحّة لوضع استراتيجيّات فعّالة تضمن سلامتهم وتؤمّن حماية الكنائس والمناطق التي يعيشون فيها.

في هذا الإطار، اعتبر رئيس قسم «العالم» في صحيفة «نداء الوطن» اللبنانية الصحافيّ والباحث السياسيّ جوزيف حبيب في حديث لـ«آسي مينا» أنّ «المسيحيين في سوريا عانوا الذمّية والاضطهاد والتمييز مدى قرون، وكانوا على الهامش في ظلّ أكثر من نصف قرن من ديكتاتوريّة "آل الأسد"، مشيرًا إلى أنهم يواجهون اليوم تحدّيات هائلة في ظلّ مرحلة انتقاليّة لم تتّضح معالمها بالكامل».

وأوضح حبيب أنّ «الصبغة الإسلاميّة للإدارة السوريّة الجديدة تُثير مخاوف جسيمة في أوساط المجتمع المسيحي المتنوّع في بلاد الشام»، مؤكّدًا أنّ «المسيحيين الذين عانوا كثيرًا في ظلّ النظام السوري السابق، يُريدون العيش بكامل حرّيتهم وكرامتهم، بمساواة تامّة مع مختلف شرائح المجتمع السوري التعدّدي، بعيدًا من أيّ شكلٍ من أشكال الذمّية وألوانها العنصريّة»، ومشدّدًا على «حقّ المسيحيين بالتمتّع بكامل حقوقهم السياسيّة».

أمّا الأزمة الاقتصاديّة التي تشهدها سوريا، والناجمة خصوصًا من العقوبات الغربيّة التي فُرِضت على النظام السابق، فقد أثّرت مباشرةً في حياة المسيحيين. ومع تدمير البنية التحتيّة نتيجة الحرب، وفي ظلّ نقص الموارد، تُعاني العائلات المسيحيّة البطالة والفقر. لذلك فإنّ تقديم دعم دوليّ لمشروعات صغيرة ومتوسّطة، وإيجاد فرص عمل جديدة، يمكن أن يُسهما في تحسين ظروفهم المعيشيّة. أمّا إعادة إعمار المناطق المتضرّرة فتتطلّب وقتًا وتمويلًا كبيرًا وجهودًا دوليّة مشتركة.

نزوح وهجرة

الهجرة الجماعيّة للمسيحيين بحثًا عن الأمان والاستقرار تُهدّد بإفراغ سوريا من مكوّنٍ رئيسٍ من مكوّناتها، وتؤدّي بمرور الوقت إلى الإضرار بجمال فسيفسائها الطائفيّة. عائلاتٌ مسيحيّة كثيرة نزحت داخليًّا أو لجأت إلى الخارج، وهو ما يُضعف تماسك المجتمع المسيحي. هذا الخطر الداهم يجب أن يكون حاضرًا وبقوّةٍ على طاولة الإدارة الجديدة التي يتوجّب عليها وضع سياساتٍ لإعادة اللاجئين وتوفير ظروف معيشيّة آمنة ومُستقرّة لهم بغية الحفاظ على الهوية المسيحيّة في سوريا.

ورأى حبيب أنّه «إذا أراد السوريّون بناء دولة تتطلّع إلى سبر أغوار الربع الثاني من القرن الحالي، فعليهم تبنّي الشكل الفدرالي للدولة الذي يضمن حقوق جميع السوريين بكلّ انتماءاتهم وخلفيّاتهم، فضلًا عن صياغة دستور لا يتّخذ الإسلام دينًا للدولة، ويكون مفصّلًا عن المقاسات الصحيحة والدقيقة للجسم المجتمعي السوري الفسيفسائي، فيحفظ حقوق جميع الطوائف والمجموعات». 

حفظ التراث

تعرّضت الكنائس والأديرة لتدميرٍ منهجيّ في خلال الحرب، ممّا هدّد بفقدان جزء كبير من التراث المسيحيّ الثريّ. وتعمل الكنائس على إعادة ترميم ما أمكن، لكنّ الأمر يتطلّب دعمًا كبيرًا، من الداخل والخارج، للحفاظ على هذا التراث للأجيال الجديدة.

وتؤدّي الكنائس دورًا أساسيًّا في دعم المسيحيين، ليس من الناحية الروحيّة فحسب، لكن أيضًا من الناحيتَيْن الاجتماعيّة والاقتصاديّة. والكنائس يجب أن تكون أيضًا صوت المسيحيّين في المحافل السياسيّة، للمطالبة بحقوقهم وحمايتهم.

في هذا الإطار، يؤدّي الدعم الدولي دورًا حاسمًا في تحقيق الاستقرار للمسيحيين في سوريا. وتعاون الكنيسة والإدارة الجديدة مع المنظّمات الدوليّة والدول المانحة يمكن أن يُسهم في تقديم المساعدات الماليّة وإعادة الإعمار. المسيحيّون يحتاجون إلى تعزيز علاقاتهم مع المجتمع الدوليّ لضمان استمرار الدعم والمساندة في هذه المرحلة الحرجة.

وحضّ حبيب المسيحيين السوريين على «الإسراع في تنظيم أنفسهم ضمن أحزاب سياسية تُمثّل وجدانهم الجماعي وتُعبّر عن هواجسهم وتطلّعاتهم، إذ إنّ سقوط نظام الأسد يفتح أمامهم بابًا للمشاركة بفاعليّةٍ في الحياة السياسيّة وفي تكوين سوريا الجديدة»، إلّا أنه قال إنّ «المسار التأسيسي ما زال في بداياته، وإنّ ثمّة صعوبات ومشكلات بدأت تطفو على السطح وستتكشّف ملامحها بمرور الوقت».

لكنه شدّد على أنّ «الجماعات التي تُريد المشاركة في صناعة التاريخ عليها اقتحام المشهد السياسي وتمثيل نفسها، بصرف النظر عن المعوقات التي تواجهها وعمّا قد ينتظرها مستقبَلًا، فإذا لم يستثمر المسيحيون اللحظة التاريخية ويُبادروا، فإنّهم يحكمون على أنفسهم بالإعدام الفكري والسياسي».

على الرغم من كلّ هذه التحدّيات، يبقى الأمل في مستقبل مشرق دافعًا قويًّا لمسيحيّي سوريا. يجب على الإدارة الجديدة أن تؤسّس نظام حكمٍ متينًا يحترم حقوق المسيحيين ويضمن مشاركتهم الفعّالة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة. ويُمكن للتعاون بين الكنائس والمجتمع المدني والحكومة أن يُحقّق تغييرات إيجابيّة في المدى المنظور.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.

اشترك الآن

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته