بيروت, الأحد 24 أبريل، 2022
"يا توما، انظر يديّ، وامدد يدك في جنبي" (يو 20: 27).
1.في مساء اليوم الأوّل من قيامته، ظهر يسوع للتلاميذ، والأبواب موصدة، و"أراهم يديه ورجليه"(يو 20 :20). وهي علامة ذبيحة ذاته بالحبّ الأعظم لفداء خطايا البشرية جمعاء، وعلامة انتصاره بالقيامة على الخطيئة والموت لبثّ الحياة الإلهيّة في كل مؤمن ومؤمنة. هذه العلامة المزدوجة تدلّ إلى استمرارية موته وقيامته في ذبيحة القداس، لفداء الخطايا والحياة الأبدية، بفيض من الرحمة الإلهيّة.
أجل، من ذبيحة المسيح المقدسة تنبع الرحمة الإلهيّة التي تحتفل الكنيسة بعيدها اليوم. وقد حدّده القديس البابا يوحنا بولس الثاني الحاضر معنا بذخائره في الأحد الجديد من كل سنة، كما أراد الربّ يسوع ذلك وكشفه للقديسة الراهبة فوستينا، الحاضرة هي أيضًا من خلال ذخائرها.
2.يسعدنا أن نحتفل معًا بهذا العيد، ومعنا جماعات الرحمة الإلهيّة في لبنان. فأرحّب بها وبأخينا المطران بولس عبد الساتر، رئيس أساقفة بيروت المشرف عليها، وبمرشدها العام الأب ميلاد السقيّم المرسل اللبناني، وسائر المرشدين. تعنى جماعات الرحمة الإلهيّة بنشر عبادتها وتساعيتها، وتكريم أيقونتها، وصلاة المسبحة، وصلاة الساعة الثالثة كل يوم حيثما وُجد أيّ عضو من أعضائها. نشكر الله على تزايد عدد الجماعات سنة بعد سنة، وهي تفوق العشرين جماعة في مختلف المناطق. تستمد الجماعات روحانيّتها من روحانية الرحمة الإلهيّة التي عاشتها وشهدت لها القديسة الراهبة فوستينا ودوّنتها في "يوميّاتها" بشعار "رحمة الله في داخلي". من كلمات الربّ يسوع لها: "لا أريد أن أعاقب بشرية متألمة، بل أريد أن أشفيها ضامًّا إيّاها إلى قلبي الرحوم".
3.أودّ أن أوجّه تحيّة خاصة إلى عائلة المرحوم المختار شاكر ياغي الذي ودّعناه بالكثير من الأسى معها ومع أهالي العاقورة العزيزة منذ أربعين يومًا. نجدّد التعازي الحارّة لزوجته ولابنه المختار بولس وابنته ماجدة، وأرملة ابنه المرحوم ماجد، جويس حنا قضيب، ولكل أنسبائه، ونصلّي لراحة نفسه في الملكوت السماوي.
4.في ظهور يسوع القائم من الموت للتلاميذ، ودعوة توما ليمدّ يده إلى جرحه تذكير له "بمشهد طعنه بحربة في جهة قلبه الذي جرى منه دم وماء" وهو ميت على الصليب (يو 19: 34). فاعتبره يوحنا في إنجيله "حقيقة الايمان"(يو 19: 35). وهذا ما أكّده الربّ يسوع عندما قال لتوما: "هات اصبعك وانظر يدي. وهات يدك وامددها في جنبي، وكن مؤمنًا لا غير مؤمن" (يو 20: 27). فأعلن توما إيمانه بيسوع الإله من خلال رؤية يسوع الإنسان، هاتفًا: "ربّي وإلهي" (يو 20: 28).
المشهد إيّاه ظهر به يسوع للراهبة فوستينا للمرّة الأولى في 22 شباط 1931، واقفًا بكل قامته، مرتديًا رداءً أبيض. يده اليمنى مرفوعة تبارك، واليسرى تلامس رداءه من مستوى قلبه، ومنه يسطع شعاعان: واحد أحمر والآخر أبيض. وطلب إليها أن ترسم لوحة هذا المشهد، وتكتب في أسفلها: "يا يسوع أنا أثق بك" وأن تكرّم الصورة في جميع كنائس العالم، وأن يعلّم الكهنة عظمة رحمة يسوع، ويساعدوا على ارتداد الخطأة.
وتكرّر المشهد إيّاه في أيّار 1933، وفي كانون الأوّل 1935. وشرح معنى الشعاعين: الشعاع الأبيض هو الماء الذي يطهّر نفوس الخطأة، والأحمر هو الدم الذي منه حياة النفوس. هذا المشهد جرى منذ ألفي سنة. قرأت الكنيسة في الماء رمز المعمودية التي تغسل النفس من الخطايا، وفي الدم رمز الافخارستيا التي تعطي الحياة الجديدة. وكلاهما تنبعان من الرحمة الإلهيّة.
5.إن تجلّي الرحمة الإلهيّة يخاطب ضمير الانسان الذي يسعى إلى القضاء على فكرة الرحمة، واستئصالها من قلبه. ولهذا يتخبّط في أزماته الروحيّة والأخلاقيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. لا يستطيع الإنسان وبخاصة المسؤول أن يخنق صوت الله في داخله، وهو الضمير، الداعي إلى الرحمة، كأساس لمعاملة الله لنا بالرحمة: "طوبى للرحماء، فإنهم يُرحمون" (متى 5: 7).
6.كيف تخنقون صوت الله في ضمائركم؟
أنتم الذين تعرقلون التحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟ ومعه تغيير المحققين العدليين الواحد تلو الآخر؟ والتعيينات القضائيّة؟ ولماذا اغتيال أشخاص يملكون معلومات وصورًا؟ ولماذا يوجد متّهمون فارّون من وجه العادلة؟ إذا كان الانفجار قضاءً وقدرًا، لماذا أنتم خائفون من التحقيق؟
7.كيف تخنقون صوت الله في ضمائركم؟
أيها القضاة الذين تفبركون الملفات بناءً على طلب النافدين، وتُوقّعون الظلم وتشوّهون وجه القضاء، وتقوّضون أساس الملك؟
وأنتم أيها المسؤولون الذين تحرمون أهالي الشهداء والمتضرّرين من التعويضات الواجبة؟ وتُبقون نصف العاصمة مدمّرًا، وتكتفون بإعلان عجزكم عن إعادة إعمارها، فتظل ممتلكاتها المتضرّرة سائبة وعرضة للبيع لأطراف مجهولي الهويّة؟
8.فيما يقترب موعد الانتخابات النيابيّة، ندعو الشعب إلى انتخاب ما يلبّي حاجته إلى مجلسٍ جديدٍ يكون على مستوى التحدّيات التي تنتظره، وفي مقدّمتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري بحيث يعمل على تحديث علاقات المكونّات الميثاقيّة في ظل دولة قادرة على استيعاب التعدّديّة واحتضان الجميع في نظام لامركزيّ موسّع. ويعمل ساعيًا على أن يتوحّد الولاءُ، ويُلتزَم بالحيادِ، وتُطوى جميعُ المشاريعِ الدخيلة على وطننا ومجتمعنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان، وينظر الأفرقاء إلى بعضهم البعض كشركاء وإخوة، لا كأعداء وإقصائيين. ويصبّ الرئيس الجديد قواه على تعزيز استقلال لبنان وسيادته وهويّته الأصيلة من خلال شرعيّة ملتزمة بالدستور والميثاق.
انطلاقًا من هذا الوعي، يكون واجبُ المواطنين أن يختاروا من يَروْنَ فيهم القدرةَ الوطنيّة والمعرفيّة، ومَن يَثبُتون على مواقفهم اللبنانيّة، فلا يتلوّنون ولا يخافون ولا يساومون ولا يقايضون على الثوابت من أجل بلوغ المناصب.
9.أما الموضوع الذي يشغل بال المواطنين ويقلقهم إنما هو أموالهم المودعة والإرباك الناشئ حول مشروعِ "الكابيتال كونترول"، فمن واجب الحكومة أن تُوضح للناس مصير أموالهم وانعكاس أيّ تشريعٍ جديد على حريّة التصرّف بها. وبالمناسبة ليست كلُّ معارضةٍ بشعبويّةٍ وليس كلُّ تأييدٍ بموضوعيّ. من حقّ الناس والقوى السياسيّة أن تعارض كلَّ ما هو ضبابيٌّ وغامِضٌ ومُلتِبسٍ ومشبوه ويَمسُّ بحقوقِ الشعب والنظام الاقتصاديّ اللبنانيّ الحرّ وقواعد العمل المصرفي. فإذا كان التفاهم مع صندوق النقد الدولي أمرًا مُستحسنًا، فالحفاظ على حقوق الناس وأموالهم أمرٌ مقدّس.
10.لقد آلمنا بالأمس غرق زورق قبالة ساحل مدينة طرابلس، كان ركّابه يحاولون الهرب بطريقة غير شرعيّة من واقع مرير يعيشونه. فإننا إذ نهنّئ الناجين بالسلامة آملين نجاة من لم يزالوا مفقودين، نعزّي عائلات قضوا في هذا الحادث المريع، سائلين الله أن يرحمهم ويعزّي قلوب عائلاتهم.
11.نصلّي إلى الله كي يحافظ كل إنسان ما زرع له في قلبه من رحمة، تجمّل إنسانيّته، وتجعله حقًّا على صورة الله ومثاله. للإله الغني بالرحمة كل مجد وتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته