أربيل, الأربعاء 28 أغسطس، 2024
مع تفاقم الحروب في العالم عمومًا والشرق الأوسط خصوصًا، تتضاعف مخاوف الناس وتوجّساتهم، فيُلِحُّ عليهم التساؤل: أين الله من الشرّ المستشري في العالم؟ وهل يصمت الله إزاء تعالي ضجيجه؟
طرحت «آسي مينا» هذا التساؤل على المطران يوسف توما راعي أبرشيّة كركوك والسليمانيّة في العراق، بحثًا عن إجاباتٍ لأسئلةٍ جوهريّة لطالما حيّرت الإنسان حول نظرتنا إلى الله والشرّ. وبيّن توما أنّ الشرّ من أصعب ما واجهه الفكر والإيمان من معضلات، وقد عَزَت الأساطير الشرّ والألم الجسديّ والكوارث الطبيعيّة والموت إلى قدريّةٍ تحكّم العالم، ثم جاء المؤمنون ليقولوا بالخلق، بقدرة الله الذي يقف فوق الخير والشرّ.
وتابع: «الشرّ يشلّ التفكير ولن نتمكّن من تفسيره من دون تجاوزه عبر التمييز بين أنواعه لنفهم مسبّباته. وقد سعى الكتاب المقدّس إلى الخروج من تفسير الأساطير. فأظهر الله في سفر التكوين منزّهًا عن الشرّ، ولم يجعل الإنسان، رغم مسؤوليته، أصلًا للشرّ، فجاءت الحيّة علامةً للشرّ الموجود بالفعل».
وقال توما إنّ أسفار الحكمة -سفر أيوب خصوصًا- أزاحت لاهوتًا فسَّر جزاء الأخيار وعقاب الأشرار بإرجاع أصل الشرّ إلى حرّية الإنسان، ليكون الشرّ عقابًا من الله. ولكنّ ألَم الصدّيق يؤكّد أنّ الإنسان ليس أصل الشرّ. بل منح الفكر الكتابيّ، عبر إعادة قراءة الأسفار الحكميّة، أدوات لمواجهة الشرّ والألم.
لا يجد توما الشرّ معضلةً نظريّة لتُحلّ، لكنّه موجود دائمًا وعلينا أن نصارعه. منذ سال الدم على يد قائين وعظمت الفجوة بين رغبة الله وإرادة الإنسان وحرّيته، وصار «الشيطان الذي يقسّم» من أسماء الشرّ، إزاء الله: الخير والجامع لأبنائه.
تحوّلَ المؤمن، مع تجدّد الصراع المستمرّ ضد الشرّ، من الشكوى والنحيب إلى التسبيح. وعبّرت المزامير عن الدعوة إلى الإيمان بالله في العالم رغم ما فيه من شرّ، واكتشاف محبّته. فلا يفقد المؤمن توازنه مصدّقًا الاتهامات الموجّهة إلى الله بأنّه يسمح بالشرّ. بل يتبع طريق المسيح الذي علّمنا أن نصلّي طالبين: «نجّنا من الشرير»، أي من الفراغ والضياع وأشكال أوهام التطرّف التي تقود إلى جرائم باسم الله، تسوقها شياطين نحو الموت.
واسترسل توما: «يشبه الشرّ بتفشّيه فايروسًا يرعب ويقتل، لكن يمكن درؤه وتقوية المناعة ضدّه بلقاح. كما تقوّينا مواهب الروح القدس السبع: (الفهم، والقوة، والعلم، والتقوى، ومخافة الله، والمشورة، والحكمة)، وتفتح أعيننا على حقيقة الشرّ، فلا نقع ضحايا أيديولوجيات سياسيّة ومذهبيّة».
يقدّم المسيح المصلوب صورة الكمال لمن يريد أن يحبّ بحرّية، زاهدًا في مكافأةٍ يتوقعها أيّ شخصٍ على أعماله الصالحة؛ إذ افتتح الله، بقيامة المسيح، عالمًا جديدًا يغلب فيه الإنسان لغز الشرّ المحيّر.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته