تونس, الخميس 22 أغسطس، 2024
قليلًا ما تُسلَّط الأضواء على مسيحيي بلدان المنطقة المغاربية لأسبابٍ كثيرة يتقدّمها ضعف أعدادهم من جهة، والتعتيم الذي يرافق ممارساتهم وأنشطتهم من جهة أخرى. ومع ذلك، ترتسم سنويًّا في تونس مشهديّة مختلفة؛ مشهديّة استئنائيّة بطلتها مريم العذراء؛ مشهديّة مدماكها كلمتان في لهجة أهل البلاد «خرجة المادونا». فما الحكاية؟
على الرغم من الصعود المتسارع للحركات الإسلاميّة المتطرفة مطلع العقد الماضي، لم يسقط تقليدٌ حفظته الشوارع التونسيّة في شهر أغسطس/آب من كلّ عام. في مشهد ساحر وغير مألوف في البلدان المغاربية، يخرج مئات المسيحيين بلا تقييد في شوارع مدينة حلق الوادي (شمالي تونس) حاملين تمثال السيّدة العذراء المكلّل بالورود على أكتافهم احتفالًا بعيد انتقالها إلى السماء. وقد نشرت رعيّة القدّيسَين أغسطينوس وفيديل في حلق الوادي اليوم صور المسيرة والقداس الإلهي.
وتزداد المشهدية بهاءً مع انضمام عدد من المواطنين المسلمين إلى ما يُعرَف بـ«موكب سيّدة تراباني» أو «خرجة المادونا». مسيرة ترفع سنويًّا شعار العيش المشترك في بلدٍ لا يتجاوز عدد مسيحيّيه 25 ألفًا بحسب بعض الإحصائيّات غير الرسميّة، فيما تشير أرقام أكثر تفاؤلًا إلى ملامسة عددهم الـ30 ألفًا، غالبيتهم من الكاثوليك.
مسيحيّون ومسلمون في موكب واحد
ينظّم مسيحيو البلاد هذه المسيرة مع اختتام فصل الصيف، حيث يتوجّه مئات المؤمنين إلى رعيّة سانت أغوستان (القديس أغسطينوس) والقديس فيديل في حلق الوادي لإخراج تمثال السيّدة العذراء. ثمّ يطوفون بالتمثال لمسافة غير بعيدة نسبيًّا قبل إعادته إلى موضعه والمشاركة في الصلوات والقداديس. بكثير من السلام والهدوء تجري المسيرة سنويًّا بلا أيّ تضييق من الدولة أو من أبناء الطوائف الأخرى. بل على العكس من ذلك، يشهد الموكب زخمًا وتشجيعًا من أهل المنطقة غير المسيحيين، ويشارك فيه عددٌ كبير من الجاليات المسيحية غير الكاثوليكية في البلاد، وبنوع خاصّ من المهاجرين الأفارقة.
ويعود الفضل في استحداث هذا التقليد إلى عددٍ من المهاجرين الصقِليين من مدينة تراباني بعدما أحضروا معهم إلى تونس تمثالًا لمريم العذراء أواخر القرن التاسع عشر. ويشير أبناء البلاد اليوم بفخر إلى أنّ «عذراء تراباني» أصبحت «عذراء تونس».
من أين يأتي مسيحيّو تونس؟
يتمسّك مسيحيّو تونس على قلّتهم بالبقاء. وتواكب الكنيسة الكاثوليكية في البلاد أوضاعهم من كثب، وتحرص على حمايتهم عبر نسج علاقات متينة مع السلطات المحلّية. وفي العام 2007، أشارت الحكومة التونسية، في تقرير قدمته إلى لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، إلى أنّ أصول معظم مسيحيي البلاد تعود إلى جنوب الصحراء الكبرى وهم في غالبيتهم كاثوليك، مع تسجيل حضور خجول للبروتستانت والأرثوذكس.
عبر التاريخ، لطالما كانت المسيحية الأقلية الدينية الرئيسة في تونس. أما اليوم، فتتألف هذه الأقلّية من ثلاثة مجتمعات هي: المسيحيون التونسيون المنحدرون من السكان المهاجرين الأوروبيين الذين استقروا في البلاد في فترات مختلفة، والمسيحيون من أوروبا الذين يقيمون بشكل دائم في تونس؛ والمهاجرون المسيحيون من جنوب الصحراء الكبرى؛ والتونسيون المسلمون الذين اعتنقوا المسيحية. علمًا أنّ تونس شأنها شأن البلدان المغاربيّة الأخرى، تشهد حركة تحوّل متزايدة من الإسلام إلى المسيحية، وهو ما تؤكّده منظمات المجتمع المدني العاملة في البلاد.
وعلى الرغم من عدم تجريم تغيير الديانة بموجب القانون التونسي، تُلقي التابوهات المجتمعيّة على التونسيين المتحولين إلى المسيحية ضغوطًا رهيبة تجعلهم يفضّلون ممارسة طقوسهم وشعائرهم في الخفاء خوفًا من وصمة الأقارب والمحيط، وحتى العنف.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته