بيروت, الأربعاء 7 أغسطس، 2024
ما لم يُجمِع عليه مسيحيّو لبنان في العام 2006 يوم وقعت حربٌ مدمّرة بغطاء سياسيّ مسيحيّ جزئيّ، لا يتكرّر اليوم مع التهاب الجبهة الجنوبيّة ووقوف البلاد على حافة حرب موسّعة. فالإجماع المسيحيّ هذه المرة، قادةً وشعبًا، صريحٌ ولا ريب فيه. يرفض هؤلاء، على اختلاف تحالفاتهم، إقحام لبنان المرهَق في حربٍ قد لا يخرج منها بسهولة.
تشكّل الحرب المحتملة بين حزب الله وإسرائيل امتدادًا لنظيرتها في غزة. يُدرك الزعماء المسيحيّون حساسية الموقف. فالقواعد الشعبيّة التي تقاسي للحصول على لقمة العيش والدواء وبضع ساعات كهرباء، لا تحتمل مزيدًا من العطب.
لا «مباركة» مسيحيّة
لا خلاف في الأوساط المسيحيّة اللبنانيّة إزاء رفض الحرب، وإن تفاوتت درجات رفع السقوف. ليس هذا الخيار مطروحًا في أروقة أيٍّ من الأحزاب المارونيّة تحديدًا. الالتفاف حول موقف بكركي يصعّب استجرار الحرب، ويُسقِط أيّ «مباركة» مسيحيّة لها تحت عناوين فضفاضة.
رفضُ رمي لبنان في لجّة النار يتكرّس يومًا بعد آخر مع ملامح التصعيد الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، والآخذة في التمدّد إلى الداخل اللبناني وآخرها في عمق بيروت وتحديدًا في ضاحيتها الجنوبيّة. واقع يطيح رمزيّة جغرافيا المواجهات ويفرض دوامة من الضربات المتبادلة المتصاعدة حدّ فرضيّة بلوغ حربٍ موسّعة، خصوصًا مع دخول إيران على خطّ المواجهة الناريّة.
هذا السيناريو التصعيديّ، أيًّا تكن دوافعه، مرفوضٌ تمامًا في الشارع المسيحي المصرّ على موقفه من تحييد لبنان. وأمام هذا الواقع المأزوم، يدعو المسيحيّون إلى تطبيق فعليّ للقرار 1701 لاجتناب جرّ لبنان إلى حرب إقليمية. وهو قرارٌ تبنّاه مجلس الأمن الدولي بالإجماع عام 2006، ويصبو إلى وقف كامل للعمليات القتالية وإلى حلّ النزاع اللبناني الإسرائيلي، بمساعدة القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل).
موقف حاسمٌ في بكركي
على خطّ بكركي، لا تبدُّلات في موقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي. بل إصرارٌ أكبر على خيار النأي بالبلاد عن أيّ حربٍ «لا دخل للبنانيّين فيها». يواصل سيّد الصرح في غير مناسبةٍ وعظةٍ التحذير من الانزلاق في «الحرب العمياء». ومن بين مواقف كثيرة تصبّ في الخانة نفسها، برز موقفان في الأسابيع والأشهر الماضية: أوّلهما، يوم توجّه إلى من سمّاهم «المتعطّشين للدماء»، مؤكّدًا أنّ قرار الحرب مسؤوليّة جسيمة. وثانيهما، في قدّاس عيد مار شربل يوم 20 يوليو/تموز الماضي، عندما قال أمام آلاف المؤمنين إنّ لبنان أرض قداسة لا أرض حروب وتدمير وتهجير.
هذا التموضُع عزّزه المطارنة الموارنة أكثر من مرّة، وكرّروه اليوم الأربعاء تحديدًا في اجتماعهم الشهري حيث عبّروا عن تخوُّفهم من «انعكاسات الحرب في غزة وجنوب لبنان، وما قد تقود إليه من تصعيد شامل لأعمال العنف بإرادةٍ أجنبية ولمصالح لا تمتّ إلى الوطن بصلة». وقالوا: «يعرف القاصي والداني أنّ الحل الوحيد الذي يأتي بالهدوء وبنوعٍ من الاستقرار يبقى في تنفيذ قرارات الأمم المتّحدة وبخاصّة القرار 1701».
موقف واحد للأحزاب المسيحيّة؟
بعيدًا من الكنيسة، يبدو الاتفاق (ولو على الخطوط العريضة) سيّد موقف الأحزاب المسيحيّة الكبرى، وإن عبّر عنه كلُّ حزب على طريقته إمّا برفع النبرة وإمّا بحفظ خطّ العودة. فقد أشار مسؤولون في حزب القوات اللبنانية (المعارض لحزب الله وصاحب أكبر كتلة مسيحيّة في البرلمان)، والتيار الوطني الحرّ (الحليف السياسي لحزب الله)، وحزب الكتائب اللبنانية (المعارض لحزب الله) كلٌّ بعباراتٍ مختلفة إلى موقفهم من احتماليّة التصعيد العسكري، ليصبّ كلامهم جميعهم في خانةٍ واحدة: لا لجرّ لبنان إلى الحرب.
يحدث ذلك كلّه على وقع ترقُّبٍ وحذر يعيشهما اللبنانيّون والعالم في انتظار الردّ العسكريّ لحزب الله وإيران على إسرائيل في الأيام أو ربّما الساعات المقبلة. ويُترجَم هذا الحذر في حركة مغادرة سيّاح ومغتربين -غير اعتيادية في مثل هذا الوقت من السنة- يشهدها مطار بيروت الدولي، على وقع دعوة دول عدة رعاياها إلى الخروج من لبنان وتعليق بعض شركات الطيران رحلاتها إلى بلاد الأرز. ويقترن ذلك بموجة نزوح من القرى اللبنانيّة الحدوديّة والضاحية الجنوبيّة لبيروت إلى مناطق داخليّة أكثر أمانًا.
إذًا، أمام الرفض المسيحي الصريح لإقحام لبنان في حرب لا قدرة له عليها، هل يبقى السيناريو محصورًا في إطار الضربات المتبادلة المحدّدة جغرافيًّا ونوعيًّا، أم تتهاوى جميع محاولات التهدئة السياسيّة والدبلوماسيّة ومعها قواعد الاشتباك ليتحوّل المشهد إلى حربٍ قاتمة؟
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته